تفجير المنطقة.. لبنانياً

تفجير المنطقة.. لبنانياً

بغض النظر عما قيل حول مساع تدعمها دمشق قام بها الرئيس اللبناني ميشيل سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري لاحتواء وسحب فتيل الاحتقان السياسي في لبنان خلال جلسة مجلس الوزراء اللبناني برئاسة سليمان منتصف الأسبوع الماضي، يبقى واضحاً أن العديد من الأطراف اللبنانية والإقليمية والدولية ليس لها مصلحة في التهدئة المطلوبة، وإنما دفعها نحو أقصى حد لها من أجل تفجير الوضع في لبنان ليمتد لهيبه إلى المنطقة برمتها، وكل من منظوره وبحكم طبيعة مصالحه وأحجامها، في معركة تتخذ مرة أخرى على المسرح اللبناني طابع تكسير العظم، بعد تسجيل النقاط، وخلط الأوراق بين طرفي الصراع في المنطقة وحولها كل باتجاه الآخر.

لبنانياً، وضمن آلية شد الحبال ضد عقارب الساعة، تواصل المعارضة، في ظل المستجدات الإقليمية وانقلاب موازين القوى سياسياً بما في ذلك الانحسار الظاهر في المشروع الأمريكي الصهيوني، وتحسن العلاقات السورية اللبنانية رسمياً و«تراجع» قوة دفع «المحكمة الدولية»، تواصل مساعيها لقلب كل ما ترتب على السنوات الخمس الماضية من اختلالات معادية لمصالح لبنان الدولة والمجتمع تزيد من هشاشة بنيانه الطائفي، ولو تضمن ذلك الإطاحة ببعض الوجوه و«المؤسسات» تثبيتاً لتغير لوحة موازين القوى، من منظور يتوسع قليلاً عن المصلحة الطائفية باتجاه المصلحة العامة المرتبطة إقليمياً مع المتضررين من الفترة السابقة ذاتها، في حين تواصل بقايا 14 آذار برؤوس حربتها (الجهاز السياسي والإعلامي لتيار المستقبل- دون رئيسه(!)- وأبواقه الطائفية المنفلتة عن عقالها، والكتائب، والقوات اللبنانية)  تقاسم أدوار إبقاء التوتر مع سورية، وإعادة الحديث عن أن العلاقة مع «إسرائيل» هي خيار ووجهة نظر؟؟! وهي القوى ذاتهاالتي اعتادت العيش على الوعود الخارجية، سبباً ووسيلة لاستمرار وجودها بالمعنى الضيق للكلمة حتى ولو كان ثمن ذلك «حرق الأخضر واليابس»، استعارةً لعبارة «التائب» وليد جنبلاط قبل «عودته إلى رشده»..

المعطيات والأسباب قد لا تختلف بالجوهر كثيراً بالنسبة للنظام المصري الفاقد تباعاً لكل أوراقه ومبررات وجوده داخلياً بالدرجة الأولى، وعربياً-إقليمياً، ودولياً باستثناء تشبثه بـ«أوراق توت» التسوية الأمريكية الإسرائيلية  التصفوية للقضية الفلسطينية من بوابة المفاوضات المباشرة أو غيرها، ومعابر غزة، والمصالحة الفصائلية الفلسطينية المستحيلة، واستمراره بأداء دور وظيفي موكول له لا يقل خطورة يتمثل في مواصلة تعميم البرنامج الليبرالي اقتصادياً الذي أطلقه في المنطقة، إلى جانب استمراره بتأجيج الوضع الداخلي في لبنان وتفجيره خدمة للأمريكي الإسرائيلي، استجداءً لعطفه تمريراً للتوريث في أحد المكاسب، وانتقاماً من سورية ضمن نفس منظور ضيق النظر وتصور المصالح.

الوضع في لبنان يتجه إلى شفير الانفجار الداخلي طائفياً وسياسياً ومؤسساتياًَ مع مواصلة 14 آذار حديثها عن «بيروت منزوعة السلاح» وتأكيد المعارضة على وجود مربعات أمنية في بيروت لدى  من يرددون هذا المطلب أنفسهم، في وقت يواصل فيه الكيان الإسرائيلي تهديد لبنان واستفزازه يومياً.

لكن اللافت هو أن التطورات الطائفية المذهبية في لبنان ترافقت مع توترات تحمل الطابع ذاته ولكن لأسباب مختلفة في الكويت والبحرين واليمن ناهيك عن مثيلتها دينية الطابع في مصر، والدينية-العرقية التقسيمية المطروحة للاستفتاء في المزاد العلني في السودان، إلى جانب استمرار الاستعصاء الحكومي الطائفي في العراق بعد ستة أشهر من «الانتخابات البرلمانية»، ما يعني تجسيد قوس توتر ديني طائفي مذهبي عرقي نموذجي في المنطقة يحقق لواشنطن وتل أبيب، بالتفاعلات الداخلية التي لا تظهران بصورتها مباشرة، ما عجزت عنه من خلال وجودهما وتدخلهما أو عدوانهما المباشر في عموم المنطقة. وما محاولات تخدير سورية عبر الوفود الأجنبية المتقاطرة، أو تأجيل القرار الظني بخصوص اغتيال الحريري الأب مثلاً، إلا محاولات للاستثمار الزمني بانتظار أن يلتقط الفتيل المزروع أية شرارة، مع الإبقاء طبعاً على سيف التهديدات العسكرية المباشرة ومحاولات الابتزاز في مختلف المؤسسات الدولية حول الملفات النووية أو الديمقراطية أو التنموية للبلدان والشعوب المستهدفة.

من لبنان إذاً يجري خلق مناخ إقليمي للتفجير الإقليمي، عماده نشر التوترات المذهبية التي لا يوجد رد لها سوى بخوض المعارك ذات الطابع الوطني محلياً وإقليمياً وعلى كل الجبهات السياسية والاقتصادية الاجتماعية ذات المحتوى الطبقي الشعبي الحاسم والواضح وصولاً إلى العسكرية في مواجهة الخصوم والأعداء، في الداخل والخارج.