المملكة العربية السعودية: ميثاق كوينسي، علاقة خاصة، لكنّها علاقة تبعية

المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة تسيران نحو إبرام عقدٍ هو أهم عقد تسلّحٍ في التاريخ وتبلغ قيمته 90 مليار دولار، يتضمّن تحديث الأسطول الجوي والبحري السعودي. سوف يخصص مبلغ 60 مليار دولار لشراء 87 قاذفة مقاتلة «F-15»، 70 حوامة قتالية «أباتشي» و72 حوامة «بلاك هوك»، و36 حوامة ليتل بيرد AH-6، وكذلك قنابل وصواريخ، بما فيها قنبلة JDAM الموجهة بنظام GPS التي تنتجها شركة بوينغ وصاروخ هيلفاير الموجه بالليزر. وسوف يخصص مبلغٌ إضافي قدره 30 مليار دولار لشراء سفن حربية ونظام دفاع باليستي، مكمل لشبكة الصواريخ من نمط باتريوت، وإعادة تكييف الأجهزة القديمة في سلاح الجو والبحرية.

رينيه نبعة


تمّ إبرام هذه الصفقة بمناسبة العيد الوطني السعودي، في الثالث والعشرين من أيلول، الذي يخلّد ذكرى تأسيس المملكة. وسوف يتمّ عرض الصفقة على الكونغرس للمصادقة وتسمح بالإبقاء على عمالة 75 ألف شخص في الصناعة العسكرية الأمريكية.

توضح صحيفة «وول ستريت جورنال» التي نقلت المعلومة في الثالث عشر من أيلول 2010 أنّ الصفقة تهدف إلى «تعزيز القدرات القتالية للمملكة في مواجهة إيران» من دون التسبب بأخطارٍ على إسرائيل. سوف تحرم الطائرات السعودية من الأسلحة بعيدة المدى لتأمين المجال الجوي الإسرائيلي وسيكون أداؤها، في ما يخصّ تجهيزاتها والتعامل معها، أقلّ قدرةً في كل الأحوال من الطائرات الجديدة التي تنوي الولايات المتحدة بيعها لـ«إسرائيل»، وهي عشرون قاذفة أمريكية من نوع F-35 لايتنينغ II (JS F-35)، القاذفة فائقة ذات التفوق التكنولوجي، والتي تبلغ كلفة الواحدة منها مبلغاً هائلاً قدره 113 مليون دولار.

يشهد هذا العقد، الذي لم تعقده أمريكا مع أيّ بلدٍ آخر قبل ذلك، على «العلاقات الخاصة» بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية منذ التوقيع على معاهدة كوينسي. صحيحٌ أنّها علاقةٌ خاصة، لكنّها علاقة تبعية.

تمّ عقد «معاهدة كوينسي» في شباط 1945 على الطرّادة كوينسي بين الملك عبد العزيز بن سعود، مؤسس المملكة، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، في الطريق إلى يالطا لحضور القمة السوفييتية الأمريكية حول تقاسم العالم إلى مناطق نفوذ. وتستند هذه المعاهدة إلى خمس نقاط:

- استقرار المملكة العربية السعودية جزءٌ من «المصالح الحيوية» للولايات المتحدة التي تضمن، في المقابل، حمايةً غير مشروطة للمملكة من أي تهديدٍ خارجيٍّ محتمل». بالتالي، استقرار شبه الجزيرة العربية والقيادة الإقليمية للمملكة العربية السعودية جزءٌ من «المصالح الحيوية» للولايات المتحدة.

- في المقابل، تضمن المملكة الجزء الأساسي من تزويد أمريكا بالطاقة، من دون أن تتخلى سلالة آل سعود عن أيّ جزءٍ من أراضيها، ولن تكون الشركات الحاصلة على الامتيازات سوى مستأجرة للأراضي.

تتعلّق النقاط الأخرى بالشراكة الاقتصادية والتجارية والمالية السعودية الأمريكية، وكذلك عدم التدخل الأمريكي في مسائل السياسة الداخلية السعودية. وقد تبين أنّ «معاهدة كوينسي» تحالفٌ ضد الطبيعة بين قوّةٍ تزعم أنّها أكبر ديمقراطية ليبرالية في العالم وسلالةٍ تزعم أنها أكثر أنظمة الحكم الدينية صرامةً في العالم.

ضمنت هذه المعاهدة استقرار تزويد الطاقة عالمياً والازدهار الاقتصادي الغربي، أحياناً على حساب مصالح المنتجين الآخرين من العالم الثالث، من دون أن تلبي المطالب الشرعية العربية، لاسيما بصدد المسألة الفلسطينية.

عبر تطبيق هذه المعاهدة، التي أدّت إلى أسوأ الانحرافات، تولّت أمريكا دوراً رجعياً من حيث النتيجة، متنكّرةً للقيم التي تبشّر بها. على الرغم من كونها أنموذج الديمقراطية والليبرالية في العالم، طرحت نفسها كـ«عرّابٍ» لأكثر الممالك انغلاقاً في العالم، وعارضت تجارب التحديث والدمقرطة في العالم الثالث، مثلما حدث في إيران في العام 1953، أثناء تأميم المنشآت النفطية على يد الزعيم الوطني محمد مصدّق، وفي مصر في العام 1967 ضدّ رأس حربة النزعة القومية العربية جمال عبد الناصر، وفي جوار الولايات المتحدة، في غواتيمالا 1954 وفي تشيلي في العام 1973 ضدّ الرئيس الاشتراكي المنتخب ديمقراطياً سلفادور أليندي الذي أطاحت به زمرة عسكرية في الحادي عشر من أيلول 1973، المصادف على نحوٍ غريبٍ لذكرى اعتداءات مانهاتن وواشنطن، بدعمٍ نشيطٍ من الأمريكيين. ودائماً تطبيقاً لهذه المعاهدة، أعلنت أمريكا إثر غزو الكويت في العام 1990 تجييشاً دولياً ضد العراق فدمّرت عملياً ذلك البلد الذي كان في الماضي طليعة العالم العربي وجعلته في حالةٍ يرثى لها بعد تعريضه لحظرٍ دام نحو اثني عشر عاماً بعد الأعمال العدوانية، مغذّيةً بذلك قضية التحيّز الغربي بكذبها بخصوص «إسرائيل»، مستثيرةً في المقابل إرادةً في إعادة تأهيل الشعوب العربية والإسلامية، امتزجت بالنسبة لمقاتلين إسلاميين عديدين مع تعطّشٍ للثأر.

أخيراً، وفق المعاهدة ذاتها، أعفت الولايات المتحدة المملكةَ العربية السعودية من مسؤوليتها في أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 المعادية لأمريكا، التي تميّزت بمشاركة خمسة عشر سعودياً من أصل تسعة عشر عضواً في المجموعة التي قامت بالعملية، محوّلةً إلى العراق الغضب الانتقامي للشعب الأمريكي.

يشهد العقد العسكري الجديد الذي تبلغ قيمته 90 مليار دولار على هذه «التبعية الإرادية» للمملكة العربية السعودية تجاه الولايات المتحدة. وفي حين تنتشر قوّةٌ عسكريةٌ أمريكيةٌ كبيرةٌ في منطقة الخليج- المحيط الهندي، وتمّ نشر حزامٍ حول إيران بالاستعانة بالقواعد العسكرية (البحرين، أبو ظبي، الكويت، مسيرة، دييغو غارسيا وجيبوتي)، يهدف هذا العقد إلى تعزيز الدفاع «في مواجهة إيران»، تلك القوة الواقعة على الحافة النووية، ولا يهدف إلى تعزيز دفاعاتها عموماً، ولا ضدّ «إسرائيل»، القوّة النووية الراسخة، وهي فضلاً عن ذلك قوّةٌ تحتلّ القدس، ثالث الأماكن المقدسة الإسلامية.

هكذا تكرّس المملكة العربية السعودية 90 مليار دولار لامتصاص البطالة في الولايات المتحدة وتبرير صفقةٍ أكبر نوعياً بين الولايات المتحدة و«إسرائيل»، تحت مظهر توازنٍ قوى كاذب.

• موقع أبحاث العولمة

مسؤول سابق عن العالم العربي الإسلامي في القسم الدبلوماسي لوكالة الأنباء الفرنسية، من أبرز مؤلفاته: «لبنان: يوميات بلدٍ مع وقف التنفيذ»، «في أصول المأساة العربية» 2006، «رفيق الحريري، رجل الأعمال ورئيس الوزراء» (2000)، «حرب الأمواج، حرب الدين، المعركة الهرتزلية في سماء المتوسط» (1998)