بين قوسين مزاد علني فلسطين في المزاد العلني!
لن يجد المرء جملة بلاغية أفضل في توصيف ما يجري في الغرف السريّة للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. كأن فريق المفاوضات الفلسطيني صاحب مخزن للبيع بالجملة
أوكازيون غير مسبوق في تصفية البضاعة وإغلاق الدكان. لقد ضجر المفاوضون الأشاوس من الاجتماعات وقرروا أن يفاجئوا الخصم بهدايا مجانية لتشجيعه على هز رأسه بالموافقة. خذ ما تشاء من القدس، اترك لنا مستعمرة واحدة من محيط المدينة المقدسة لسبب رمزي لا أكثر. لا يهمنا ماذا تسمي دولتك، هذا شأن يخصك. المهم أن ننهي هذه الصفقة، ونعلن الانتصار. ولكن ماذا بخصوص اللاجئين؟ هذه مسألة سهلة. قطار سياحي يقوم برحلة سنوية واحدة لإعادة بعض اللاجئين إلى ديارهم، على مدى عشر سنوات. سياحة رابحة بالتأكيد، فبعد عشر سنوات، سيموت من يموت، ولا يمنع أن يستعمل بعضهم المفاتيح الصدئة لأبواب بيوتهم التي هُجروا منها. لقطة تلفزيونية للأرشيف، ليس أكثر.
الوثائق السريّة التي تمّ نشرها أخيراً، ليست فضيحة علنية وحسب، إنما تنطوي على وضاعة المفاوضين ونقص فادح في معنى الهوية الوطنية، بعد أن تحوّل هؤلاء إلى سياح في أوطانهم القديمة، يبادلون الأرض كما لو أنها كعكعة عيد الميلاد، فالمهم الصفقات الشخصية، أما ما عداها، فلا يستحق التنويه. المفارقة فيما جرى ويجري، أن من أنكر هذا الوثائق، انتهى إلى أن هناك من خرج عن النص الأصلي، وشوه الوقائع والحقائق والمعلومات، متجاهلاً، أن أية عبارة في النص هي خيانة مؤكدة، وفيلم لا يستحق المشاهدة. الفيلم الذي يحمل عنوان «حق العودة» يقترح سيناريو مثيراً حقاً، إذ تبين أن حق العودة لا يعني عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم المسلوبة، بل إلى الأرجنتين وتشيلي، حسب ما اقترحته تسيبي لفني، اليسارية كما يقال. أظن أن شخصاً أهوج مثل ليبرمان لديه حلول أفضل. سيقول: لماذا يذهبون إلى أمريكا اللاتينية؟ ليذهبوا إلى الجحيم، وسوف يضحك المفاوض الفلسطيني الشرس، على هذه المزحة، ويقرر تأجيل النقاش حول هذه النقطة الثانوية. في الواقع فإن كل ما يجري هو مفاوضات بائع متجول على أرض لم تعد تخص أصحابها، وإلا ما تفسير أن تتحول فلسطين بأكملها إلى بضاعة معروضة للبيع في المزاد العلني؟