من خسر الشرق الأوسط؟
يعاني اليوم الذين تعلو رؤوسهم التيجان من القلق، خاصّةً في المغرب والشرق الأوسط.
فقد ولّدت تنحية رئيس تونس زين العابدين بن علي موجاتٍ ارتداديةً من الرباط إلى الرياض.
يجب على المستبدّين والأمراء والملوك أن يسألوا أنفسهم: إذا استطاع المتظاهرون إسقاط بن علي على الرغم من القوّات الأمنية الوحشية التي كانت تحيط به، فما الذي سيمنع حدوث ذلك في أماكن أخرى؟ فملايين من الشباب المناضلين والذين لم يتمتعوا بالثروة الناتجة عن النفط والغاز سيسألون: إن استطاع التونسيون إسقاط نظامٍ بغيض، فلماذا لا يستطيعون فعل ذلك؟
لم يكن لأمريكا دورٌ في هذه الثورة، وكان الفساد المستشري قد روّع دبلوماسيينا.
ومع أنّ بن علي كان حليفاً في الحرب على الإرهاب، لكنّ ما حدث في تونس قد يشكّل سلسلةً من الانفجارات المدمّرة تقوّض موقع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
لا تنهض الديمقراطية دوماً في أعقاب سقوط المستبدّين. وفي الشرق الأوسط، ليست الديمقراطية بالضرورة حليفاً للولايات المتحدة. فسقوط الملك فاروق في العام 1952 أوصل الكولونيل عبد الناصر إلى السلطة في مصر. وخلع الملك فيصل وقتله في العراق في العام 1958 أوصل في نهاية المطاف صدّام إلى السلطة. كما حلّ القذّافي محلّ الملك إدريس بعد إسقاطه في العام 1969. وأدّى سقوط الإمبراطور هيلاسيلاسي في إثيوبيا في العام 1974 إلى صعود نجم الكولونيل منغستو هيلاميريام. كما أنّ سقوط شاه إيران في العام 1979 أوصل آية الله الخميني إلى السلطة.
غالباً ما يستخدم المثل السائد: «شيطانٌ تعرفه خيرٌ من شيطانٍ تجهله».
وينبغي أن تكتسح المنطقة موجةٌ جديدةٌ من الثورات، حتى يمكن لنا مشاهدة الانهيار النهائي للسياسة الخارجية للمحافظين الجدد التي أرستها إدارة بوش الابن.
استندت تلك السياسة الشرق أوسطية إلى عدّة دعامات: تأييدٌ غير مشروطٍ لإسرائيل، غزواتٌ لطرد الأعداء من أفغانستان والعراق، واحتلال الولايات المتحدة لهذين البلدين لإعادة إنشائهما وهداية هذين الشعبين إلى الديمقراطية.
قبل مغادرة بوش لمنصبه، أشاعت تلك السياسات موجةً من العداء في المنطقة للولايات المتحدة، فأصبح بوش نفسه، وفق استطلاعات الرأي، أسوأ من أسامة بن لادن في نظر «جماهير المؤمنين».
وحين أعلن بوش في خطاب تنصيبه في العام 2005 أنّ هدفه «إزالة الاستبداد من العالم»، داعياً إلى إجراء انتخاباتٍ في الشرق الأوسط، حصد نتائج سياساته.
في فلسطين، فازت حماس بالسلطة.
في لبنان، جعل حزب الله من المكاسب التي حقّقتها الحكومة اللبنانية دافعاً لإسقاطها.
في مصر، حين سمح حسني مبارك لبعض القوى بخوض الانتخابات، حقّق الإخوان المسلمون انتصاراتٍ باهرة.
وفي إيران، انتخب أحمدي نجاد رئيساً في العام 2005، واكتسب شعبيةً واسعةً في العالم العربي بسبب مواقفه المعادية لإسرائيل.
وفي العراق، تواصلت في انتخابات العام 2010 النزعة المعادية لأمريكا، معزّزةً هيبة وقوّة مقتدى الصدر.
أضحت رسالة الشرق الأوسط واضحةً ومحكمة: حين تعقد الانتخابات، أو يخلع المستبدّون والملوك، ستصطفّ الجماهير إلى جانب القادة الذين سيبتعدون عن أمريكا ويتضامنون مع الفلسطينيين.
تقدّم تركيا مثالاً نموذجياً:... فقبل غزو بوش للعراق، طلب من أنقرة السماح بمهاجمة العراق انطلاقاً من حدوده الشمالية المحاذية لتركيا، إضافةً للهجوم من الجنوب عبر الكويت. لكنّ برلمان الدولة الحليفة للناتو منذ أكثر من خمسين عاماً رفض الطلب. منذ ذلك الوقت، ابتعدت تركيا عن أمريكا، وعن «إسرائيل»، واقتربت من الشعوب الإسلامية لمنطقةٍ حكمها الأتراك العثمانيون لعدّة قرون.
تجنّب بوش الأب «هذا الأمر»... لكنّ بوش الابن اكتسب خبرة الوصول إلى دمشق من خلال أحداث الحادي عشر من أيلول.
صار مؤمناً حقيقياً بأنّ أمن بلاده والسلام العالمي رهنٌ بتحوّل العالم إلى الديمقراطية، واعتبر أنّ واجبه يتمثّل في تحقيق هذا التحوّل.
تلكم هي إيديولوجيا النزعة الديمقراطية... أعمت حماسة بوش في تعقّب إيمانه الجديد بصيرته وبصره عن رؤية واقع أنّه أياً تكن نقائص ملوك المغرب والأردن والسعودية والرئيس مبارك، فهم أصدقاء يعوّل عليهم أكثر من أيّ نظامٍ قد يأتي عن طريق انتخاباتٍ أساسها صوتٌ واحدٌ لكلّ ناخب.
عدا عن الدافع الإيديولوجي، لماذا يطالب زعيمٌ بنظامٍ صديقٍ يعقد انتخاباتٍ إن كانت المؤشّرات تؤكّد أنّ النظام الناتج عن تلك الانتخابات سيكون أكثر عداءً لبلاده؟
فضّل دوايت إيزنهاور الشاه على محمّد مصدّق، على الرغم من أنّ الانتخابات هي التي أوصلت مصدّق إلى السلطة... وأيّد آيك الانقلاب.
كما أنّ ريتشارد نيكسون فضّل الجنرال أوغوستو بينوشيت على الرئيس المنتخب سلفادور أليندي المؤيّد لكاسترو... كان الجنرال إلى جانبنا.
مع ذلك، ينهض السؤال مجدّداً: لماذا يكرهوننا؟
في القرن التاسع عشر، كان ملوك أوروبا يكرهون جمهوريتنا، لكنّ شعوبهم كانت تحبّنا. خلال الحرب العالمية الثانية ومعظم الحرب الباردة، نظرت شعوب الشرق الأوسط إلى أمريكا بوصفها مدافعاً عن تحرّر الشعوب من الحكم الإمبراطوري... فقد كنّا أوّل من طرد البريطانيين.
قد نكون خسرنا شعوب الشرق الأوسط، في حين فزنا بولاء أنظمتها الاستبدادية، لأنّنا أصبحنا كذلك إمبراطورية، ولن يمضي وقتٌ طويلٌ حتّى نرى أنفسنا كما يرانا الآخرون.
(هذه المادة تنشرها «قاسيون» بغية التعرف على وجهة نظر بعض المحللين الغربيين بالمجريات الإقليمية والدولية وطبيعة الانتقادات الموجهة للسياسة الخارجية الأمريكية، وهي لا تمثل في منهجيتها وكامل منظورها وأمثلتها بالضرورة رأي الجريدة)