شتان ما بين الغضب التونسي والغضب اللبناني
هرب الطاغية والدكتاتور زين العابدين بن علي وحاشيته مع ما نهبه من أموال وذهب، ولكن الشعب التونسي لم يوقف انتفاضته ونضاله وغضبه ضد النظام وحكومته الوريثة والمليئة برموز النظام السابق، مطالباً بتشكيل حكومة تحظى بثقة الشعب ومحاسبة مغتصبي حقوقه السياسية والاقتصادية والديمقراطية. وهذا ما يعبر عن نضج الوعي السياسي والاجتماعي والطبقي المتراكم لدى مختلف شرائح وطبقات الشعب الفقيرة في تونس على مدى ربع قرن تقريباً في ظل الاستبداد والعسف.
أما في لبنان فيختلف الوضع تماماً حيث السلطة ليست أكثر من ناتج الصراع بين الدولة الأجنبية ـ الاستعمارية التي تتصرف بالتوازنات الطائفية خدمة لمصالحها ومصالح أتباعها من طواغيت المال المحليين، الذين اجتهدوا وبكل السبل على تغييب المسألة الاجتماعية- الاقتصادية عن وعي الجماهير. لكن النموذج التونسي بكل أبعاده القريبة والبعيدة استعاد حضور المسألة الاجتماعية- الاقتصادية وجعلها عنواناً لخلخلة بنيان النظام الرسمي العربي بدوله المتحالفة على حماية دكتاتورية رأس المال والفساد رغم كل ما بينها من تنافر في قضايا لا يتسع المكان لذكرها الآن!
إن نهج السياسات الليبرالية التي رسختها المؤسسة الحريرية في لبنان تجلت بوضوح ليس فقط بجمع الثروات الطائلة لعائلة الحريري وحلفائه من طواغيت المال، بل في سيطرتها التامة على «البنك المركزي» ومحاولاتها المستمرة لإيجاد الحاضنة الطائفية لاستمرار إمساكها بناحية الاقتصاد كلياً، وبالوقت ذاته عملت المدرسة الحريرية القائدة للسياسات الليبرالية ـ الاقتصادية المتوحشة، على المزاوجة بين الخطاب السياسي والعداء اللفظي ضد «إسرائيل» وبين الدفاع عن الفساد وحمايته. وهذا ما أوحل وأغرق لبنان بـ/63/ مليار دولار من الديون ترافقت مع تراجع خطير في مستوى معيشة الشعب وارتفاع معدلات البطالة مع كل ما رافق ذلك من محاولات «تأريض» مستوى الغضب الطبقي- الشعبي بتعميق العداء الطائفي ونقل العداء من جبهته الحقيقية ضد العدو الصهيوني إلى الداخل اللبناني وهذا ما ميز الخطاب السياسي لفريق 14 آذار وسلوكه على الأرض، وخصوصاً ضد المقاومة، وحزب الله بالتحديد، بعد انتصار تموز 2006.
وبعد تغير ميزان القوى في لبنان سياسياً لمصلحة القوى الوطنية وقوى المقاومة لجأ فريق الحريري الابن إلى «شد العصب الطائفي» أكثر من ذي قبل لاختصار طائفة بكاملها «برجل واحد» هو سعد الحريري الذي جاءه المدد من مجلس المفتين ومن المحكمة الدولية التي سارعت إلى إصدار «القرار الاتهامي». كما دخلت على الخط بعد سقوط حكومة الحريري، دول ورؤساء وملوك ووزراء أجانب وعرب يهددون بالويل والثبور إذا ما جرى تكليف غير الحريري لرئاسة الحكومة القادمة.
لاشك أن كل هذا «الاستنفار» الدولي والرجعي العربي بما في ذلك الدعم الإعلامي الإسرائيلي للحريري يخفي خلفه مصالح واعتبارات سياسية إستراتيجية لتلك الدول في لبنان والمنطقة في ظل تعثر المشروع الأمريكي في المنطقة الممتدة من جنوب وشرق المتوسط حتى قزوين وآسيا الوسطى مع ما يفتحه ذلك من احتمالات إقدام التحالف الإمبريالي- الصهيوني على عدوان جديد ضد لبنان وسورية وإيران بالجملة أو بالمفرق.
بعد أن تبين لفريق 14 آذار أن توازن القوى في مجلس النواب اللبناني في طريقة لتحويل الأكثرية إلى أقلية، سارعت «الأمانة العامة» لفريق المستقبل وحلفائه إلى عقد اجتماع رسمي تم الطلب فيه من الأمم المتحدة وجامعة الدولة العربية والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي «حماية لبنان»، أي تدويل القضية اللبنانية وإعادة عجلة التاريخ إلى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي عندما جاءت القوات الأطلسية بالتوازي مع العدوان الإسرائيلي، لكن الشعب اللبناني- الذي لم يكن يمتلك من عناصر القوة المتوفرة لديه اليوم- هزم تلك القوى الاستعمارية وبدأ مسيرة المقاومة الباسلة ضد الاحتلال الصهيوني وصولاً إلى عام 2000 عام التحرير.
وبعد أن فشل طلب التدويل لجأ تيار «المستقبل» إلى ما اسماه «يوم الغضب» لم يرفع فيه ولا مطلب وطني أو اجتماعي، بل أن أهم ما طرح فيه من شعارات:
إعادة الحريري لرئاسة الحكومة تحت تهديد بخراب البلد مع كل ما رافق ذلك من تخريب واعتداءات على الجيش ووسائل الإعلام مع أن الأكثرية الساحقة «للغاضبين» هم من الفقراء جداً، جرى شحنهم طائفياً حتى لا يستفيقوا أو يعرفوا شيئاً عمن نهب قوتهم ومقدراتهم وخدعهم منذ أوائل التسعينيات وحتى الآن، ألا وهو «المدرسة الحريرية» ووريثها السيد سعد الحريري والذي مازال يرفض أية فرضية باشتراك الكيان الصهيوني في اغتيال والده!!
الآن وبعد خروج الحريري من السباق على رئاسة الحكومة في لبنان نؤكد مجدداً أن العدالة الاجتماعية والحرب على الفساد هي الشرط الضروري ليس فقط لإلغاء الطائفية في لبنان، بل لانتصار المسألة الوطنية ومشروع المقاومة الشاملة ضد التحالف الإمبريالي- الصهيوني في المنطقة!