مبادرة عنان والصراع الدولي والحوامل الداخلية!
لم يعد بالإمكان إخفاء الصراع العميق الجاري في العالم، وأضحت التصريحات ضد بعض الدول عناوين مثيرة في وسائل الإعلام، وأصبح مجلس الأمن هو الصورة الحقيقية للواقع الدولي، فمنذ عقود من سيطرة الولايات المتحدة على القرار الدولي، كانت حرب الخليج الأولى، وقرار ضرب العراق عسكريا.
اليوم وبعد مرور سنة ونصف على الأزمة السورية يشكل الملف السوري محور الصراع داخل المجلس ولم تستطع الدول صاحبة القرار تحديد موقف واضح من الوضع السوري وهذا معتمد على محاولة تفتيت سورية مما يعني تفتيت المنطقة وتفجيرها والسيطرة عليها وبالتالي السيطرة على العالم.
لقد عملت الولايات المتحدة وعبر مجلس الأمن على تسويغ تسليح المعارضة السورية المرتبطة بها وبحليفاتها من دول الخليج العربي وإباحة الدم السوري عن طريق عملائها في الداخل السوري لفرض أجندتها وكان الموقف الذي اتخذه النظام لحل الأزمة منذ بدايتها أحد أسباب استمرارها حيث خلق الحل الأمني المناخ الملائم لقوى الخارج التدخل في الشأن السوري، ولا ننسى مراكز الفساد التي تسيطر على مفاصل مهمة وعديدة في النظام والتي لايهمها إلا ديمومة مصالحها.
في هذا المناخ غير المستقر انطلقت مبادرة كوفي عنان كتعبير شكلي عن توازن دولي يشوبه الحذر حول الملف السوري إذ رحبت أغلب الدول بالمبادرة وتمت صياغة بنودها الستة وتم إرسال مراقبيين دوليين إلى سورية وأعطي النظام السوري الفرصة للبدء بالحل السياسي، كل هذا مثل المشهد السياسي من الأعلى في حين كان المشهد من زاوية أخرى مختلف تماما إذ أنه ومع انطلاقة المبادرة أعلنت الولايات المتحدة رسمياً حصول ما يسمى بالمعارضة السورية على السلاح عن طريق تركيا وبتنسيق أميركي، وكان هذا الإعلان إشارة لوسائل الإعلام لشن الهجوم على المبادرة قبل انطلاقها حتى بدأت التقارير الإخبارية والتحليلات تتصدر وسائل الإعلام حول موقف النظام السوري وطريقه تعاطيه معها وجدوى المبادرة أمام حالة العنف التي تسود الشارع السوري إلى أن جاءت مجزرة الحوله لتعلن فشلها على أرض الواقع بما تحمله من صدمة إنسانية من جهة والعجز عند النظام والمعارضة والمجتمع الدولي في تبرير حدوثها من جهة أخرى.
إن إنكار كل من طرفي الصراع في سورية للمسؤوليه المباشرة عن المجزرة لا ينفي مسؤوليتهما الحقيقية تجاه ما يحدث في سورية وتجاه المجازر التي ارتكبت قبل الحولة وبعدها، وسعي بعض القوى من هنا وهناك لتأجيج الصراع الطائفي.
إن انطلاق المبادرة بعد سنة ونصف من الأزمة ليس فقط تعبير عن حالة الصراع الدولي بل يتعداه لجعلها ورقة عبور إلى سورية ليس إلا، فإذا كان من المفروض على الولايات المتحدة وحليفاتها التحول إلى الحل السياسي بسبب توازن القوى الدولي فستعمل بأساليب أخرى حكماً على إفشال المشروع بكافة الوسائل وإذا اعتبرنا الإعلام مؤشراً أولياً على المواقف الأمريكية سنجد أن الهجوم على الموقف الروسي –الصيني فيما يخص الملف السوري يوضح مصير المبادرة وبالتالي أغلب الحلول التي تحمل نفس الطابع.
ويمكن القول أنه بالرغم من كل المساعي لإفشال جميع المساعي المبذولة لحل الأزمة السورية لا يمكن الاستغناء عن المساعي الدبلوماسية والمبادرات السياسية لأن غياب الحلول السياسية سيؤدي إلى نتائج كارثية بالنسبة لسورية وللمنطقة بأكملها على المستقبل المنظور كما وأنها بدرجة أولى سوف تستنزف الشارع السوري اقتصادياً وبشرياً.
تبدو المرحلة القادمة أكثر صعوبة وتعقيداً وهي تتطلب بذلك حلول جذرية تلتزم بها جميع الأطراف. إذ أن تفعيل الحياة السياسية في البلاد، والقضاء على الفساد والمضي فعلياً في الحل السياسي سوف يخلق المناخ المناسب لحل الأزمة السورية بأقل الخسائر.
بمعنى آخر ان مبادرة كوفي عنان لايمكن أن تشق طريق النجاح بدون حوامل داخلية، اي بدون تهيئة الأرضية المناسبة لذلك، فالأزمة بدأت في الداخل وحلها لن يكون إلا داخلياً.