طرد السفراء السوريين... تصعيد جديد
تتزايد التباينات في مواقف وسياسات الدول العظمى حول الملفات المختلفة، وعلى وجه التحديد الدول صاحبة القرار في مجلس الأمن، وأصبح إعلان التصريحات ضد النظام في سورية تقليداً يومياً، مستندين في ذلك إلى الأخطاء القاتلة التي يمارسها النظام يومياً،
ولكن ليس من موقع الحرص على الشعب والحركة الشعبية، كما يبدو للوهلة الأولى، بل من موقع إدامة الاشتباك وتسعيره حتى تنهار سورية من الداخل، وبالرغم من تأكيد هذه الدول المستمرعلى وقوفها في وجه «نظام الأسد»، كما يصفونه في محاولة شخصنة النظام، من منطلق حرصها الذي ظهر فجأة على «كرامة» المواطن السوري و«حريته»، يمكن القول وبشكل قاطع أن ما يعني الولايات المتحدة والغرب الأوربي ليس فساد النظام، بل الدولة السورية، فهم حريصون على قوى الفساد كـ «قميص عثمان» حتى استكمال إشعال المنطقة عبر ضرب سورية اقتصاديا وعسكريا وبنيويا، كخطوة في إطار محاولات خروج الولايات المتحدة من أزمتها ومواجهة قوى صاعدة كروسيا والصين..
إن العقوبات الإقتصادية والدعم الكامل الإعلامي والعسكري (التسليح) الدولي لما يسمى بالمعارضة السورية، واستخدام الهيئات الدولية مثل الجامعة العربية ومجلس الأمن كمؤسسات لتمرير الأجندات التي يعدها الغرب الأمريكي والأوربي للحفاظ على مواقعه بعد أن تمكنت منه الأزمة الإقتصادية العالمية، تعتبر أدوات التدخل في الشأن الداخلي السوري..
واليوم، وبعد زمن من قدرة بعض القوى على حرف مسار أجزاء من الحراك الشعبي في سورية تبدو مجزرة الحولة ظاهريا القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للخارج ويتم استثمارها لجعلها نقط التحول في السياسة الأمريكية، من مرحلة التجييش ضد سورية إلى مرحلة الهجوم، بمعزل عمن قام بها، أي توظيفها لإحراج روسيا بشكل أساسي ووضعها في موقف دفاعي وتوحيد الرأي العالمي باتخاذ قرار سياسي ضد سورية، وهو ماحدث فعلياً. فبعد مجزرة الحولة البشعة ونفي النظام والمعارضة مسؤوليتهما عنها، واتهام كل منهما الطرف الآخر بارتكابها، وتشكيل لجنة للتحقيق فيها، ومعاينة المراقبين للضحايا، وقبل صدور أي تقرير يوضح ملابسات حدوثها، أعلنت الولايات المتحدة ودول أوربا طرد السفراء السوريين من بلدانها وترحيلهم هم وجميع القائمين بالأعمال الدبلوماسية..
يبدو هذا الإجراء، من وجهة نظر سياسية، مسألة معيقة للجهود الدولية المبذولة لإيجاد حل سلمي للأزمة، وخصوصاً بعد حدوثه بالتزامن مع مبادرة مندوب الأمم المتحدة كوفي عنان، و أمر ملفت أن تدعي الولايات المتحدة وقوفها إلى جانب الحل السلمي وبنفس الوقت تلغي كل قنوات الاتصال الدبلوماسية بينها وبين سورية، وهو ما ينطبق على جميع الدول التي حذت حذوها، ومن وجهة نظر أخرى نرى تلاقي الأهداف عند الولايات المتحدة وحليفاتها والمعارضة المسلحة في سورية وحلف النيتو في نقطة استجلاب التدخل العسكري إلى سورية.
إن إعلان طرد السفراء لاينم عن عدم نزاهة دول الأعضاء في مجلس الأمن فقط، بل ويشير إلى رفض مسبق لقرارات مجلس الأمن مهما كانت وهو ما يعيد للذاكرة قرار الولايات المتحدة بضرب العراق قبل صدور تقرير الأمم المتحدة بشأن امتلاكها للمفاعل النووي وبالتالي أسلحة نووية.
بالبحث عن الإجابة عن سبب تكرار الولايات المتحدة لمواقفها والتشابه بين ما كان يحصل أثناء التحضيرات للحرب على العراق، وما يجري الآن بخصوص الملف السوري يجب العودة إلى خلفية الموقف الأمريكي أي الأزمة الاقتصادية للمنظومة الرأسمالية، واستماتة الدول الرأسمالية في محاولة الهيمنة والخروج من الأزمة حتى ولو على جماجم ودماء السوريين.
لكن يبدو أن المشهدان لايتطابقان تماما ففي عام 2003 وعندما أقدمت الولايات المتحدة على ضرب العراق كان العالم يخضع لسياسة القطب الواحد والهيمنة الأمريكية، وبالرغم من تعمق الأزمة استطاعت الولايات المتحدة إلتقاط أنفاسها الأخيرة إلا أن هذا الإجراء كان بمثابة مسمار جديد في نعش المشروع الأمريكي بعد أن غاصت في جبل الرمل العراقي حتى أصبح الانسحاب خيارها الوحيد.
اليوم يمثل الموقف الروسي نقطة هامة في تحول الموقف الدولي من حالة تبعية للولايات المتحدة إلى حالة جديدة من توازن القوى وهو ما يعول عليه مرحلياً في حل الأزمات الراهنة.
اليوم ترد سورية بالمثل وتقوم بطرد سفراء كل من تركيا وبعض الدول الغربية، وتأتي محاولة رد الاعتبارهذه خجولة بالمعنى السياسي إذ لايمكن فصل مشهد طرد السفراء السوريين من بعض الدول عن مشهد زيارة السفير الفرنسي الاستفزازية لمدن سوريا في بداية الأزمة، وتجوله فيها بالإضافة إلى تعامل عدة دول مع السفراء أو الدبلوماسيين السوريين بعيداً عن البروتوكول الديبلوماسي المتعارف عليه دولياً.
إن إعلان الحرب السياسية، ومنها الضغط الدبلوماسي، هو في الحقيقه طور جديد من التدخل الأمريكي في الشأن السوري الداخلي، أما بقية دول أوربا فيكفي مراقبة حالة التبعية للقرار الأمريكي حتى يتبين مدى الوهن الذي تعيشه.
لقد كانت هذه الإجراءات تلويحاً باستخدام العلاقات الدبلوماسية وسيلة للضغط على سورية وإحراج روسيا لاستصدار قرار ضد سورية في مجلس الأمن وقد تم تنفيذ هذه الخطوة الآن ويمكن القول أن الأيام القادمة قد تشهد صراعات سياسية أعنف وكذلك سيتم التصعيد في سورية على أساس طائفي، وقيادة الأزمة بالاتجاهين من الداخل إلى الخارج وبالعكس.
إن حماية سورية مسؤولية الجميع، ولا يمكن تحقيقها إلا بإحياء العملية السياسية في البلاد والتخلص من عقلية السيطرة والتفرد بالقرار ومشاركة جميع السوريين في بناء سورية الجديدة.