نتائج الأزمة المالية في البرتغال
لشبونة- أصبح الذهاب إلي المدرسة دون فطور جزءاً من الحياة اليومية لآلاف من الأطفال البرتغاليين، وهم الذين أدمجوا مصطلح «الأزمة» في معجمهم المتواضع. فبين ما يسمعونه من ذويهم وما يرونه على شاشات التلفزيون، أصبح أطفال البرتغال يتحدثون عن الضائقة التي تعيشها بلادهم، ويتذكرون الزمن الأفضل الذي عاشته، بل وينتقدون القادة السياسيين علنا رغم حداثة أعمارهم.
ويتكرر يومياً مشهد الأطفال الفقراء وهم يحومون حول المقاهي والوجوم يخيم على وجوههم، ولكن دون شراء أي شيء، في حين تكافح إدارات المدارس من أجل توفير وجبة فطور متواضع فقط للمحتاجين، فقد خضعت ميزانياتها أيضاً لتخفيضات جذرية.
و صرَّحت آنا فيلغييراس، رئيسة المنظمة غير الحكومية «سيوداويس ديل موندو» (منظمة مواطني العالم) لوكالة إنتر بريس سيرفس، أن الأزمة الاقتصادية التي تواجه البرتغال والعديد من الدول الأوروبية المجاورة، تؤثر على حياة الأطفال، بل ولقد عبر كثير منهم خط الخطر بالفعل.
وأعربت عن مخاوفها من أن التخفيضات الكبيرة في تمويل المنظمات غير الحكومية، والتي فرضتها الحكومة المحافظة بقيادة رئيس الوزراء كويلهو باسوس بيدرو، «سوف تزيد من تفاقم الوضع الحرج، وخاصة بالنسبة للأكثر احتياجاً».
وأكدت الناشطة، «ليست الدولة وإنما المنظمات غير الحكومية هي التي تتولى تطوير المزيد من الخطط الفعالة لحماية الأطفال». وأضافت أن أطفال المهاجرين غير الشرعيين «هم الأكثر عرضة لأنهم يحرمون من الحصول على الخدمات الصحية الوطنية، وهو ما قد يخلق وضعا بالغ الخطورة».
وكوسيلة فعالة للحد من المشاكل التي تعاني منها الطفولة ومن حدة تعرض الأطفال للخطر، قالت إنه «يجب أن نفكر في مثال البرازيل، حيث تغطي المساعدات المباشرة للعائلات 35 مليونا من الفتيات والفتيان».
هذا ويعزز انتقادات الناشطة لتخلف البرتغال في هذا المجال، بالمقارنة بالبرازيل وغيرها من دول العالم، تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف) بخصوص بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي التي تضم 34 دولة غنية.
ففي تقريرها السنوي المستند إلى بيانات عام 2009 والصادر يوم 29 مايو، قالت اليونيسيف إن أكثر من 27 في المئة من أطفال البرتغال دون سن 16 عاماً يعيشون في حالة من المصاعب الاقتصادية. وبهذا تحتل البرتغال خامس أسوأ مرتبة بين دول منظمة التعاون والتنمية، لتليها فقط لاتفيا والمجر وبلغاريا ورومانيا.
وأشار تقرير هذه الوكالة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة بعنوان «قياس فقر الأطفال» إلى أن تلبية الحد الأدنى من شروط الحياة تتطلب أن يتناول الطفل ثلاث وجبات في اليوم، وأن يعيش في مكان هادئ للقيام بالواجبات المنزلية، والاتصال بشبكة الإنترنت، وأن يكون لديه على الأقل حذاءان، وأن تتوفر القدرة على الاحتفال بالمناسبات الخاصة مثل أعياد الميلاد.
لكن الأمر ليس كذلك في البرتغال. فيعيش 46.5 في المئة من الأطفال وحدهم إما مع الأب أو الأم، الذين هم في حالة من ضائقة مادية. وفي أسبانيا، على سبيل المقارنة، تنخفض هذه النسبة إلى 15.3 في المئة.
كما تشير اليونيسيف أيضاً إلى أن 14.7 في المئة من البرتغاليين تحت سن 16 عاماً يعيشون تحت خط الفقر، أي في صلب أسر ينخفض فيها دخل الفرد السنوي عن 50 في المئة أقل من المتوسط، وهو حوالي 520 دولاراً في الشهر.
وتجدر الإشارة إلى أن تدابير التقشف الصارمة التي فرضتها الحكومة البرتغالية قد أدت، على سبيل المثال، إلى خفض الدعم الاجتماعي للأسر ذات الدخل المنخفض، وهي التي اضطرت إلى استنفاذ مدخراتها أو بيع ممتلكاتها لمواجهة وطأة الأزمة.
كما شملت تدابير التقشف الصارمة التي تفرضها حكومة كويلهو باسوس زيادة ضريبية كبيرة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، والقضاء على أيام العيد والعطل، وزيادة ساعات العمل، وانخفاض حاد في الأجور.
ويشار إلى أن تدابير هذه الحكومة المحافظة التي تولت الحكم منذ عام، قد تسببت حتى الآن في فقدان 80 في المئة من السكان لخمس القوة الشرائية.