أفغانستان .. الاختبارات الصعبة

لقد كانت الضبابية السمة الرئيسية لتعامل إدارة أوباما مع الملف الأفغاني، ورغم أنها استطاعت إشراك حلف الناتو في المشكلة إلا أنها بقيت تتحمل مسؤولية ما سيحدث هناك بشكل رئيسي، وقد حسمت خياراتها منذ البداية نحو الاستمرار باستخدام الحل الأمني في أفغانستان لضآلة الخيارات الأخرى بعد أن فشلت خلال عشر سنوات من وجودها في أفغانستان، في إيجاد شبكة من العلاقات مع مكونات المجتمع الأفغاني بما يؤمن لها إقامة مشروع النظام الذي سيستمر في خدمة المصالح الأمريكية بعد انسحاب قواتها. كما لم تتمكن الولايات المتحدة من تسويق مشروع «ديمقراطيتها» في الشارع الأفغاني، لا بل تحولت طالبان من شراذم مقاتلين مطاردين ومكروهين شعبياً، إلى مشروع مقاومة حقيقي من وجهة نظر شريحة هامة من الشارع الأفغاني، وكلما كان النجاح الأمريكي ينحسر في أفغانستان، كلما كانت قوة خصومها تزداد مع تصاعد مشاعر الكره والعدائية للوجود الأمريكي، وكلما اقتربت الصورة أكثر من المشهد الفيتنامي.

كما تبين أن مقولة عدم اعتراف أمريكا بأخطائها تجاوزت أسلوب التعامل الإعلامي الأمريكي مع الخارج، وامتدت لتصبح مشكلة في العقل الرأسمالي الأمريكي الذي يبدو لنا أنه لا يدرك أخطاءه أبدأ في كثير من الأحيان، وتتعدى هذه المشكلة الملف الأفغاني لتطال صناعة القرار السياسي والعسكري في الولايات المتحدة الأمريكية. ويأتي الفشل الأمريكي في أفغانستان في سياق عام من الانهيار والتراجع الذي تمر به الإمبراطورية الاستعمارية للولايات المتحدة الأمريكية في المجمل، مترافقاً مع ضعف الثقة بقدرة الذراع العسكرية الأمريكية على إسناد الموقف الاقتصادي والسياسي عند الانهيار والتراجع كما حصل في محطات تاريخية هامة.

وأفغانستان امتحان أيضاً لبدلاء أمريكا على الساحة الدولية، والمقصود دول حلف الناتو وروسيا، فبالرغم مما يظهر من تمايز بين مواقف هذه الدول مع بعضها من جهة، ومع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، إلا أنها تستخدم الأسلوب الأمريكي نفسه في التعامل على الأرض، ويظهر أن ما يصيب الإمبراطورية الأمريكية من قصور في الرؤية وعدم فعالية ناجمة عن الإفلاس، يصيب أيضاً الناتو ودوله الأوربية، كما يصيب روسيا التي تتخبط بين استنهاض ماضٍ من القوة السوفيتية دون امتلاك أدوات هذه القوة، وبين حرصها على أن تظهر بمظهر ليبرالي يستعمل أساليب «الدبلوماسية» الغربية.

وتحيل أفغانستان اختباراً آخر لدول الجوار المطالبة بإثبات قدرتها على ملء الفراغ الذي ينجم عن الفشل الأمريكي الأطلسي الذي يلوح في الأفق، خصوصاً بعد طرح بعض هذه الدول كإيران نفسها كقوة إقليمية قادرة على التأثير في مجريات الأحداث في الإقليم بشكل أفضل من القادمين من خلف البحار.

وقد تطرح أفغانستان اختباراً جدياً للفكر بصيغة سؤال مشروع: هل أصبح فكر طالبان والقاعدة هو البديل الوحيد للمشروع الأمريكي؟ وهل أصبح التطرف من أقصى اليمين الغربي الرأسمالي، إلى أقصى اليمين الديني، الناظمين الأساسيين للحركة السياسية لدول العالم، أم إنها غفوة عابرة ليسار حقيقي سيصحو بعدها ليأخذ مكانه في هذا العالم؟