الجمعية العامة للأمم المتحدة في مؤتمرها الـ 67
بدأت أعمال الدورة 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة ومقرها نيويورك في يوم الثلاثاء 25 سبتمبر /أيلول بحضور كثيف للملفين النووي الإيراني والأزمة السورية سواء ً من على منبر منصة الأمم المتحدة أو التصريحات الصادرة من هنا وهناك خلال المشاورات بين الفرق السياسية المشاركة على هامش أعمال الجمعية ....
تختلف لهجة التصريحات وتتفاوت بدءاً بوعيد مزدوج فرنسي أمريكي يتبعهما عرض قطري وتحذير يمكن وصفه بالمهادن على لسان الأمين العام بان كي مون وانتهاء ً بالتذكير الإيراني لما يشهده العالم من متغيرات لم يأخذها الرئيس الأمريكي بعين الاعتبار خلال رسائله التي لم تخل - كالعادة - من عنجهية لا تتناسب وواقع التوازن العالمي الحالي حيث صرح في خطابه من على منصة الدورة 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة في إطار مناقشاتها السياسية العامة أن الولايات المتحدة ستبذل كل جهد ممكن لكي لا تسمح لإيران بإمتلاك سلاح نووي ومن وجهة نظره فإن وجود الجمهورية الإسلامية المالكة للسلاح النووي «لا يمثل التحدي الذي يمكن كبحه»، إذ أن امتلاك إيران لقنابل نووية معناه تهديد بقاء اسرائيل وتهديد أمن دول منطقة الخليج العربي، وهذا ما يهدد بالطبع « استقرار الاقتصاد العالمي»، كما يعتقد أوباما إضافة لذلك أن امتلاك إيران لقنبلة نووية قد يتسبب في حدوث سباق تسلح نووي في المنطقة وهو الأمر الذي ينذر بالقضاء على إتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية ، أما عن كيفية التعامل مع البرنامج النووي فقد صرح أوباما بأن الولايات المتحدة ستفعل كل شيء لتحول دون امتلاك إيران السلاح النووي وأردف قائلاً إن «الولايات المتحدة ترغب في تسوية مشكلة البرنامج النووي الإيراني بالطرق الدبلوماسية وأن هناك متسعاً من الوقت ومساحة كافية لتحقيق ذلك «. لا يخفى على أحد أن هذه المساحة والوقت الكافيين على حد تعبير الرئيس الأمريكي ليس مردهما الصبر والحكمة الأمريكية اللذين لم نعهدهما في تاريخ «الديمقراطية « الأمريكية المدعاة بقدر ما هما نابعان من ديمقراطية فرضتها القوى الصاعدة تحت ما بات معروفا ً بالتوازن الصفري ، هذا الواقع الجديد لا نجده في خطاب أوباما بما يتعلق بالأزمة السورية والتي شهدت ثباتا ً-على الأقل - في الموقف الأمريكي الغربي حيث أعلن بأن « نظام بشار الأسد يجب أن ينتهي، كما يجب أن تنتهي معاناة وآلام الشعب السوري» وأضاف: «لابد من بدء عهد وعصر جديد في سورية، لقد اتخذنا هذا الموقف لإيماننا بأن الحرية وتقرير المصير ليست حكراً على ثقافة واحدة، فهذه القيم ليست قيماً أمريكية أو غربية فقط، بل هي قيم عالمية «. من الجيد لأوباما ومن سيليه أن يدركوا بأن دروس «لغة الجسد بما تحتويه من إشارات ورموز « لا يمكنها محو ذاكرة البشرية عما فعلته ديمقراطية أمريكا والغرب المزعومتين!! ...
أما عن الوعود «الثورجية « الفرنسية فلم تكن أقل حدة ً من التصريحات الأمريكية لا بل على العكس فقد ذهبت بقراءتها البعيدة إلى حد توجيه توصيات لحكومة ما بعد إسقاط النظام السوري (ربما يحاول هولاند أن يفهمنا بأن قدرته على الاستقراء السياسي تجاوزت قدرات سلفه ساركوزي خاصة ً أن هذا الأخير لم تتواجد عنده هذه المقدرة ولا بأدنى درجاتها ) حيث أعرب الرئيس الفرنسي عن دعمه للحكومة السورية المؤقتة ولكن إن احترمت الأخيرة حق الأقليات، هذه التصريحات ورغم ما تنطوي عليه من مداعبة مشاعر أثنية ما قبل وطنية إلى أنها تصبح مجرد دعابة مضحكة وخاصة ً عند من يدعي هولاند القلق عليهم (من اليسير الفهم أن هولاند ليس ضليعا ً بالتاريخ الفرنسي وإلا لكان استفاد من بعض ما تعلمه جده غورو من أجدادنا العظمة والعلي والأطرش وفارس الخوري...!!)
واعتبر الرئيس الفرنسي أن «النظام السوري ليس له مستقبل بيننا»، مضيفا: «دون أي إبطاء، أدعو الأمم المتحدة لتوفر على الفور للشعب السوري كل الدعم الذي يطلبه منا وحماية المناطق التي تم تحريرها «
وفي ما يخص ايران، حذر هولاند طهران من أن باريس لن تتساهل إزاء مواصلتها الاستخفاف بالالتزامات الدولية وتهديد استقرار المنطقة، وقال: «إن فرنسا مستعدة هي وشركاؤها في الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات جديدة على إيران «، وهو تحذير تماثل شكلا ً ومضمونا ً مع ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قائلا ً بأن على إيران إثبات حسن النية فيما يتعلق بسلمية برنامجها النووي (من الواضح أن حسن النية الإيرانية المقصودة بتعبير هؤلاء تتوافر في حال استغناء إيران عن أي برنامج نووي من شأنه زيادة اعتمادها الذاتي وبالتالي قوتها الاقتصادية السياسية العسكرية أو امتلاكها «السلاح» النووي مع تبديل مواقفها المعادية للإمبريالية الأمريكية الصهيونية )، كما دعا كوريا الشمالية إلى نزع سلاحها النووي، مؤكداً على ضرورة تطبيق قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن، لأن إحلال السلام وتحقيق التنمية غير ممكنين دون احترام القانون الدولي ....
أما فيما يتعلق بالمواقف العربية فقد تفاوتت بين رئيس وآخر حينا ً وفي مواقف الرئيس ذاته حينا ً آخر ...حيث صرح أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني يوم الثلاثاء 25 أيلول أن « الوضع في سورية بلغ مراحل لا تحتمل، إذ يسقط مئات السوريين الأبرياء يوميا قتلى بنيران نظام لا يتورع عن استعمال كافة أنواع الأسلحة ضد أبناء شعبه « مما يتطلب على حد قوله « تدخل من الدول العربية نفسها ،إنطلاقاً من واجبها القومي والإنساني، سياسياً وعسكرياً والقيام بكل ما يكفل وقف نزيف الدم السوري وقتل الأبرياء وضمان الإنتقال السلمي للسلطة في سورية». . (كم نتمنى أن نسمع هكذا دعوة تلبية ً لصيحات أخواننا الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ولكن كما يقال قد أَسمَعت لو ناديت حيا ً ....!!!) .
بدوره لم يقبل الرئيس المصري محمد مرسي في خطابه يوم الأربعاء 26 أيلول أي صيغة تطالب بالتدخل العسكري الأجنبي في سورية مضيفاً أنه «من الضروري توحيد صفوف المعارضة وإيقاف نزيف الدم السوري «
أما عن الموقف الإيراني وتصريحات الرئيس أحمدي نجاد فاستمرت بدورها بالتذكير بأهمية التغيرات النوعية الحاصلة في ميزان القوى العالمي الجديد حيث أعلن نجاد أن مجلس الأمن الدولي لم يفلح في إحلال العدالة في العالم بسبب تمتع أعضائه المنتقين فقط بحق النقض، مما يسفر عن انتهاك حقوق وحريات أمم أخرى ، و أدلى الرئيس الإيراني بهذا التصريح في نيويورك أمام اجتماع رفيع المستوى بالأمم المتحدة بشأن سيادة القانون الاثنين 24 سبتمبر/أيلول كما أشار إلى أن «حق الفيتو الذي يتمتع به بعض أعضاء المجلس (على أساس انتقائي على حساب أمم أخرى) ليس مشروعا، ولذلك فإن مجلس الأمن لم يتوصل إلى تحقيق العدالة وضمان السلام والأمن في العالم ليعود ويدعو في خطابه يوم الأربعاء 26 أيلول لإقامة «نظام عالمي جديد» حيث أشار بأن «الرأسمالية وضعت نفسها بين شقي الرحى، ولم تعد قادرة على التصرف حيال المشاكل».