إيران... الرقم الصعب في المعادلة الدولية

إيران... الرقم الصعب في المعادلة الدولية

تراقب كل دول العالم السلوك الإيراني في تعاطيه مع التحديات المختلفة ، وحقيقة يستحق النموذج الإيراني دراسة جدية ، فهو النموذج الصاعد في زمن تراجعات الدول العظمى. حيث جاء انتصار الثورة الإيرانية على أعتاب انهيار دول عظمى كالإتحاد السوفييتي وألمانيا الديمقراطية، و واجهت إيران تحديات هائلة كحرب الخليج الأولى التي دامت ثماني سنوات تقريباً  والتي كان من الممكن أن تصفي هذا النموذج الثوري في بداياته.

لم تهدأ العقوبات الاقتصادية أو السياسية المختلفة  لاحقاً، كانت هذه العقوبات هي تكاليف الموقف من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ودعم المقاومة في المنطقة العربية  حيث كان الموقف الإيراني من أكثر المواقف الجذرية على مستوى المنطقة رغم كل الظروف الصعبة، و على مايبدو أن النماذج الثورية تولد من رحم أقسى الظروف، و في هذا السياق بالإمكان استخلاص شرطين أساسسين توفرا في النموذج الإيراني:

الأول: وهو شرط حاسم وهو تلك الإرادة الشعبية التي لا تملك سقفاً لطموحاتها وهو ماوفّره نموذج الثورة الإيرانية إلى حد ما حيث انقلبت الثورة على الكثير من المفاهيم الرجعية السائدة في عهد الشاه والتي كان أحد أسسها آن ذاك التبعية  للولايات المتحدة الأميركية.

الثاني: فهو تلك الإمكانيات  المادية ( اقتصادية- جيو سياسية – ثقافية) التي تؤمن أفضل استمرار لذلك النموذج الثوري .

يشكل الشرط الأول من الناحية العملية المفعل الحقيقي للشرط الثاني أي المفعل لتلك الإمكانيات الاقتصادية والجيوسياسية والتي قد لا تتواجد في العديد من النماذج الثورية، النموذج الكوبي مثلاً يكاد يخلو من هذه الإمكانيات لكنه كان نموذجاً   ثورياً وكانت نتائجه متوافقة مع مستوى الإمكانات الذاتية و في ظل الحصار الدولي الجائر، أيضا هنالك النموذج الفيتنامي الذي كان من ألمع النماذج في التحرر الوطني لكنه استقر فقط على نتائج تلك الحقبة أي التحرر من نير الاحتلال الأميركي بمعارك مشرفة وحتى النموذج الصيني خلا من العديد من المقومات على صعيد الثروات المادية باستثناء الثروة البشرية الهائلة . إن النموذج الإيراني يتشابه إلى حد ما في هذه الخاصية مع النموذج السوفييتي فمن حيث توفر الموارد الطبيعية يملك السوفييت أكثر من 40% من ثروات العالم وهو نموذج وحيد طبعاً ناهيك عن إشراف السوفييت على حدود أهم قارتين وهما آسيا وأوروبا.

تكمن أهمية الشرط  الثاني في تحديد مدى قدرة أي نموذج على الإشعاع والاستمرار وتحقيق انجازات ثورية هائلة ، فمثلاً النموذج السوفييتي نقل روسيا من أكثر الدول المتخلفة في أوروبا إلى القطب المنافس لكل دول العالم الرأسمالي واستمر النموذج بإشعاعاته أكثر من سبعين عاماً وعندما إنهار خلف بلداً قابلاً للنهوض في أي لحظة وهاهو الآن في طور العودة.

تقول القراءات الأولية إن إيران هي القوة الاقتصادية الثالثة في منطقة الشرق الأوسط كما أنها القوة الاقتصادية رقم 29 على  مستوى العالم بناتج إجمالي قدره (338) مليار دولار تقريباً وفقا لإحصائيات عام 2010، كما تملك إيران 10% من احتياطات النفط المؤكدة في العالم و15% من احتياطيات الغاز وتساهم الصناعة بحوالي 45% من ناتجها الوطني رغم أن الجزء الأكبر من الإنتاج الصناعي يعود إلى الإنتاج النفطي.

تعلن إيران يومياً عن انجازات هامة على صعيد الصناعات العسكرية وباستعراض لآخر الإنجازات سنجد أن إيران  وعلى حد قول قائد سلاح البحریة حبیب الله سیاري استطاعت تحقیق الإكتفاء الذاتي في مجال اصلاح الغواصات وبناء المدمرات، و وصف عملیات بناء مدمرة (سهند) واصلاح غواصة طارق بالناجحة حیث تم تصنیع 100 ألف قطعة واصلاح 200 ألف قطعة وصیانة 400 ألف قطعة أخرى داخل البلاد دون تلقي أي مساعدات أجنبیة . كما أعلن نائب قائد سلاح الجو بالجيش الإيراني لشؤون التنسيق العميد عزيز نصير زاده إن الطائرة الأولى من الجيل الجديد لمقاتلات «صاعقة» ستدخل الأسطول الجوي الإيراني بنهاية العام الجاري (ينتهي في 19 اذار/مارس 2013)، كما تم إزاحة الستار عن مدرعتي ‘هویزة’ و ‘طلائیة’ التي تم صنعهما من المتخصصين الإیرانیین . وفي وقت لاحق أعلن مسؤول إيراني  عن نجاح بلاده في تصميم وإنتاج طائرة جديدة بدون طيار قادرة على الإفلات من شاشات الرادار وتم انجاز منظومة رعد للدفاع الجوي . يضاف إلى ذلك مجموعة من الإنجازات على الصعيد النووي والصورايخ الباليستية والوصول إلى الفضاء ناهيك عن إنجازات هامة على صعيد تكنولوجيا المعلومات وحتى على المستوى الطبي.

لاتشكل المعلومات أعلاه مؤشرات عسكرية وحسب، بل هي مؤشرات هامة وأساسية على مستوى تقدم تكنولوجي كبير في الصناعات العسكرية يؤسس بنية تحتية هامة للإنتاج الصناعي المدني.

تصب المؤشرات السابقة أيضا في تعزيز فكرة قلما يتم التطرق لها وهي « دور التناقض مع الخارج في تعبئة الموارد الداخلية « والواقع الإيراني يقول إن هناك تناسباً طردياً بين درجة التناقض مع الولايات المتحدة والغرب والكيان العبري من جهة وبين تطور النموذج الإيراني في الجانب التكنولوجي.

إن هذه الفكرة فيما لو صحت تماماً فهي قد تؤدي إلى عدة استنتاجات:

أولها: تكاثف الإرداة الشعبية التاريخية الناتجة عن مجتمع ما في لحظة ثورية على شكل قوة ضاربة في الجيش الوطني وذلك في النماذج الشرقية .

ثانيا: إن وزن القضية الوطنية بشكل عام لأي بلد،  وبمعنى أوضح إن وزن التناقض مع الولايات المتحدة كمركز امبريالي بشكل خاص سيكون له الدور الحاسم في مستوى التطور التكنولوجي وبالتالي الإقتصادي على مستوى الوطن ككل.

قد يبدو العرض السابق عرضا مكيانيكياً لبعض النماذج الثورية التي تكون فيها الظروف الثورية أعقد من ذلك وهذا صحيح لكن من الضروري الآن طرح صورة مبسطة  توصل مضمون القراءة إلى حد ما ، لذلك قد يعيب البعض هنا عدم انتباه المقالة إلى تطورات الصراع الداخلي، بمعنى آخر عدم مناقشة النماذج الثورية بناءً على تناقضاتها الداخلية أي عدم البحث في طبيعة الصراع الطبقي الاقتصادوي إن صح التعبير، فالنموذج الإيراني هو نموذج رأسمالي فيه درجة عالية من تدخل الدولة وهو يحوي على مستويات من الفقر والبطالة  مقابل نماذج اشتراكية لم تعان جدياً من هذه الأمراض الرأسمالية ، وهذا الأمر صحيح إلى حد بعيد ولكن ماهو مطلوب الآن هو تحديد بعض الخطوط العامة في النموذج الإيراني التي قد تضيء على جزء من إمكاناته الثورية الممكنة فيما لو وعى القادة الإيرانيون تأمين الشروط الضرورية للذهاب بهذا النموذج إلى نموذج آخر أكثر جذرية .