إنهاء الاحتلال «التعاقدي».. لإقامة النظام الوطني الديمقراطي في العراق
إن المحاصصة الطائفية-الاثنية التي جاء بها بريمر الحاكم الأمريكي للعراق للمحتل، كانت بمثابة الإعلان عن البدء في تنفيد المخطط الإمبريالي الصهيوني القاضي بتقسيم العراق عبر ضرب الوحدة الوطنية وتمزيق المجتمع العراقي إلى ما اصطلح عليه بـ «المكونات»
وجرى تشكيل مجلس الحكم سيئ الصيت حيث قرر بريمر حصة كل فريق. وجاء إصدار «قانون إدارة الدولة للمرحلة الإنتقالية» على يد بريمر، وصاغ «نوح فيلدمان» الصهيوني/الأمريكي الجنسية الدستور، وتم تضمينه أحكام «قانون إدارة الدولة للمرحلة الإنتقالية» بالكامل، ليكون دستوراً ملغماً وحمال أوجه، يشرعن توجهات القوى الطائفية التفتيتية المناهضة للهوية الوطنية ولوحدة الأراضي العراقية.
احتلال تعاقدي؟!
توج كل ذلك بتوقيع ما يسمى بـ «اتفاق الإطار الاستراتيجي» بين العراق والمحتل الأمريكي على الرغم من انسحاب قوات الاحتلال في نهاية 2011 والذي تحقق بالدرجة الأساسية نتيجة للمقاومة الشعبية الوطنية العراقية المسلحة والسلمية. نقل الاتفاق الاحتلال من احتلال عسكري مباشر إلى احتلال تعاقدي، بحيث تستطيع الإمبريالية الأمريكية بموجبه التحكم بالسياسة العراقية الداخلية والخارجية، ناهيكم عن النهب المنظم لثرواته والاحتفاظ بإيرادته وتقرير أوجه صرفها بعيداً عن ميادين إعادة بناء البنية التحتية والصناعة الوطنية ومعالجة مشاكل الزراعة والبيئة والمياه والصحة والتعليم والعمل.
أزمة فيدرالية «الإقطاعيات»
إن بدعة الفيدرالية التي روج لها المحتل وأذنابه، لم تحقق أياً من أهدافها المعلنة، فعلى صعيد إقليم كردستان المعني بدرجة أساسية بهذه البدعة، نجد هيمنة لنظام عشائري طفيلي يتحاصص السلطة والأموال في إقطاعيتين لكل منها مليشياتها وجهازها الأمني القمعي. ورغم مرور شهورعلى انتحابات برلمان الإقليم لم تتوصل «الإقطاعيتان» إلى اتفاق على تشكيل حكومة الإقليم. وانتهت حملة زعامات «الإقطاع السياسي» في المنطقة الغربية الهادفة إلى إقامة إقليم طائفي إلى غزو «داعش» الإرهابية إلى المنطقة وخوض الجيش العراقي معركة عسكرية لا تزال متواصلة، مما أدى إلى قتل المئات وتهجير عشرات الآلاف من المواطنيين الأبرياء.
أما في البصرة فقد باءت بالفشل جميع المحاولات الرامية إلى إقامة إقليم البصرة النفطي. ولم يبق من الأصوات الطائفية التي روجت لفكرة إقليم الوسط والجنوب سوى الإنقلاب «360 درجة» على خطابها التقسيمي متبنيةً خطاباً «وطنياً» تحت ضغط الجماهير.
لم تنجح جميع التسويات بين أطراف الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة، فسقط «اتفاق أربيل» وأعقبه سقوط «ميثاق الشرف» قبل أن يجف حبره، وستسقط أي اتفاقية جديدة تفتقد إلى الرؤية الوطنية العراقية.
صوابية رؤية اليسار الوطني
إن العودة إلى نقطة البداية، والتي عبر عنها اليسار العراقي لحظة سقوط النظام السابق واحتلال العراق، وتشكيل مجلس الحكم، وأعلنها في جريدة اتحاد الشعب من بغداد المحتلة:
«إن المحتل الأمريكي الهمجي قد فوجئ برفض هذا الشعب الجائع المضطهد للحرية المزيفة التي جاء بها، بل سقطت كل نظرياتهم حول إمكانية تطويع الشعب العراقي... إن أمام القوى السياسية العراقية فرصة تاريخية لإعادة رسم سياستها وتصحيحها، خصوصاً في ناحية علاقتها مع المحتل قبل فوات الأوان... إن سياسة التعاون مع المحتل، كما جرى في مجلس الحكم المنحل، ستؤدي في النتيجة إلى فقدان هذه القوى ما تبقى من سمعتها بين أبناء الشعب العراقي، وتحكم على نفسها بالموت السياسي... إن اليسار العراقي يرى بأن وحدة الشعب العراقي بكل أطيافه الضمانة الأكيدة للنصر القادم، ويؤمن بأن كل المحاولات المدروسة لتدمير وحدة الشعب العراقي ستتحطم على صخرة إرادة هذا الشعب الفولاذية».
اليوم، وقد وصلت العملية السياسية الفاسدة إلى نهايتها المحتومة -الانهيار- يتولد فضاء سياسي جديد تتوفر فيه الظروف الموضوعية والذاتية لإنطلاق عملية سياسية وطنية مستندة إلى حراك شعبي على الأرض، قادرة على استكمال سيادة العراق بتحريره من الاحتلال «التعاقدي» وتأسيس الدولة الوطنية الديقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
صباح الموسوي* : منسق التيار اليساري الوطني العراقي