الماضي الحاضر... نهب النفط العراقي والتمهيد لتقسيم البلاد
شكَّل النفط، ونهبه على يد الشركات الاحتكارية الاستعمارية «IPC» عاملاً وجدانياً في شعور الشعب العراقي بالظلم والإجحاف، المعزِّز للشعور الوطني للتخلص من الاستعمار البريطاني, والذي فجَّر ثورة 14 تموز 1958 الوطنية التحررية.
وقد عبر الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم، قائد الثورة، عن ذلك بقوله: «نحن لا نحارب شركات النفط لنحصل على سبعة ملايين دينار في السنة. هذه مسألة ثانوية, إننا نناضل من أجل تصنيع جمهوريتنا، وإنهاء الاتكال على مبيعات النفط الخام. والمكاسب المالية من تنويع قاعدتنا الاقتصادية ستساعدنا على تحسين وضع الفقراء».
جاء تأسيس «منظمة الدول المصدرة للبترول ــــــ أوبك» عام 1960، بدعوة من الشهيد عبد الكريم قاسم، ليفتتح معركة تحرير النفط العراقي، التي دشنت بإصدار حكومة ثورة 14 تموز قانون «رقم 80» الذي منح الحكومة العراقية حق التنقيب في 99.5% من أراضي العراق. وأنشأت بموجبه، لأول مرة في تاريخ العراق النفطي، شركة النفط الوطنية العراقية «I.N.O.C» . ومكَّن العراقيين، بموجبه، من استخراج البترول بكلفة زهيدة، لم تتجاوز 5 سنتات أمريكية للبرميل، في حين تبلغ كلفته الراهنة أرقاماً خيالية غير معلنة، وفق العقود المبرمة مع الشركات الإمبريالية التي استعادت هيمنتها الكاملة على النفط العراقي، سواء كانت «عقود خدمة» مع حكومة بغداد أو «عقود شراكة» مع حكومة إقليم كردستان العراق. والتي تعني أن الدولة تسيطر، نظرياً، على النفط، بينما تقوم الشركات الاحتكارية الإمبريالية باستخراجه بموجب عقود، وتبقي دور الدولة مقيداً بصورة صارمة بشروط هذه العقود.
تجاهد الطبقة الطفيلية الحاكمة في خطابها السياسي الديماغوجي، من أجل حرف المعركة الوطنية عن مسارها الأصلي, معركة التحرر الوطني وإقامة النظام الوطني الديمقراطي في وطن حر وشعب يسيطر على ثرواته الوطنية، ويسخرها لمصلحة الحياة الحرة الكريمة، في ظل دولة العدالة الاجتماعية. فتحصرها في معركة المحاصصة وتقاسم السلطة والأموال بين أطراف هذه الطبقة الطفيلية, ويروج خطابها لفكرة تبدو مقطوعة عن السياق التاريخي للمعركة الوطنية التحررية التي يخوضها الشعب العراقي على مدى العقود، وقدَّم على دربها ملايين من الشهداء والضحايا, وهي أن ما يجري منذ 9 نيسان 2003 لا علاقة له بالتاريخ السياسي العراقي، إلا لناحية الخلاص من النظام الساقط على يد أسياده الأمريكان.
أما الواقع فيثبت عكس ذلك تماماً, فالماضي حاضر في الحاضر، لجهة طبيعة الصراع الطبقي وهوية القوى التي تخوضه, ولا تجدي جميع المحاولات الهادفة إلى قطع تواصل الذاكرة بين الأجيال.
نعم. قد يخدع بسطاء الناس، والسطحيون من أنصاف المثقفين، بفكرة القطع التاريخي هذه، وسط هتاف وتصفيق انتهازيي كل العهود, ولكن, وبكل تأكيد, سوف لا تنطلي على القوى اليسارية والوطنية الديمقراطية، والطبقات والفئات الاجتماعية التي تمثلها في المعركة الوطنية التحررية, المستندة إلى قاعدة معرفية نظرية وسياسية واقتصادية واجتماعية.
إن عملية نهب النفط العراقي، الجارية اليوم على يد الشركات الاحتكارية الامبريالية، هي استعادة لدور الشركات الاستعمارية الذي تمت تصفيته بثورة 14 تموز 1958, وخوض الطبقة الطفيلية الحاكمة راهناً صراعاً بين أطرافها الطائفية هو امتداد لسلطة انقلاب 8 شباط 1963، المدبَّر على يد المخابرات الأمريكية، والذي استهدف قطع مسيرة التحرر الوطني التي دشنتها ثورة 14 تموز 1958, بل إن قوى انقلاب 8 شباط حاضرةٌ في نظام 9 نيسان 2003 بأحزابها وعوائلها ومرجعياتها، المفرِّطة بالوحدة الوطنية والثروات، والتي تعرِّض العراق إلى مخاطر التقسيم بإطلاقها «مبادرات الفيدراليات»، على وقع المعركة العسكرية الدائرة في المنطقة الغربية, التي كشفت عن هشاشة النظام القائم والفوضى السياسية الراهنة.
فالصراع وفق فكرة القطع التاريخي لا يعني جوهر المسألة الوطنية, المتعلقة بنضال الشعب العراقي على مدى العقود لسيطرة العراق على ثرواته، والحفاظ عليها محررةً من هيمنة الشركات الاحتكارية، واستثمارها لمصلحة الكادحين, بل هو صراع على النفوذ والمال والحصص بين أطراف هذه الطبقة الفاسدة, صراع يريد أقطابه إيصاله إلى نقطة النهاية, ألا وهي, تقسيم العراق إلى فيدراليات طائفية اثنية، تمهِّد إلى إقامة إمارات طائفية ـــــــ اثنية ــــــ عشائرية حول كل بئر نفط في المنطقة وفق المخطط الإمبريالي الصهيوني المعلن. خصوصاً وأن آخر التقارير البحثية تشير إلى أن احتياطيات النفط العراقية تبلغ نحو 116 مليار برميل، وهناك مائة مليار برميل أخرى تحت صحرائه الغربية.
* منسق التيار اليساري الوطني العراقي
عضو لجنة العمل اليساري العراقي المشترك