الحملة العسكرية ضد «داعش» بين التأييد/الرفض.. ونتائج الانتخابات
انتهى اعتصام الأنبار دون إراقة قطرة دم واحدة أو اعتقال إرهابي واحد !! وسط حملة من التأييد/الرفض القطيعي الصاخب، بخطاب إسلامي طائفي رجعي. ليعود الإرهابيون إلى الاستيلاء على مراكز الشرطة إثر انسحاب الجيش تنفيذاَ لرغبة محافظ الأنبار وبعض شيوخ العشائر وتسيل دماء الأبرياء، مما اضطر الجيش إلى العودة لخوض المعركة مباشرة بالتحالف مع قوات الصحوة العشائرية المناصرة للحملة.
وبالرغم من انتقال الصراع بين أطراف الحكم إلى مرحلة الانسحاب من البرلمان والتغيب عن اجتماع مجلس الورزاء بل والعملية السياسية برمتها على صعيد الرافضين، ودعم قرار المضي بالحملة من قبل المؤيدين وتجاهل الشركاء في الحكم مهما كانت النتائج.
أزمة الجيش العراقي
يغفل كلا الخطابين- المؤيد المعارض- من طرفي الحكومة من أن قرار بريمير الحاكم الصهيوني للعراق بعد احتلاله، بحل الجيش العراقي ومن ثم تأسيس جيش دمج مليشياوي ومتطوعين من جموع الشباب العاطلين عن العمل للحصول على مرتب شهري مجزٍ، هو أساس انتشار التنظيمات المسلحة المتشددة دينياً والإرهابية والمليشاوية الرجعية، وكأن الطرف المؤيد يصر على الانتقام من صورة الجيش العراقي المنحل باعتباره «جيش الضباط من المنطقة الغربية والموصل، والعُرَفاء من الوسط والجنوب» إلى «جيش الضباط من الوسط والجنوب، والعُرَفاء من المنطقة الغربية والموصل» في مرحلة تتطلب إعادة تأسيس الجيش العراقي على أساس الخدمة الوطنية الإلزامية وتأهيل الضباط في الكليات العسكرية وفق المقايس الوطنية والمهنية. الجيش الحامي للوطن، المحايد على الصعيد السياسي الداخلي، في ظل نظام وطني تحرري ديمقراطي يستند إلى دستور يضمن تداول السلطة بالانتخابات الحرة النزيهة.
كيفية الانتهاء من الإرهاب
يتوهم كل من يتوقع نجاح الحل العسكري لتصفية القوى المتطرفة الإرهابية دون أن يقترن ذلك بحل سياسي شامل لأوضاع البلاد المتدهورة على جميع المستويات، الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما تتوهم قوى الكتلة «العراقية» المهترئة، إمكانية إعادة شكل من أشكال النظام الدكتاتوري الساقط بالاحتلال من شباك العملية السياسية المحاصصاتية الفاسدة. تتوهم أيضاَ كتلة «التحالف الوطني» المتصارعة، إمكانية هيمنة نظام «إسلامي» طائفي رجعي عبر سيطرتها على السلطة وفق نظام المحاصصة الطائفي الاثني الفاسد، ويتوهم كذلك «التحالف الكردستاني» الممزق إمكانية تحقيق الانفصال وسط صراع «سني – شيعي» كما روج أقطابه منذ 9 نيسان 2003 عن «عراق يتكون من الشعب الكردي والعرب الشيعة والعرب السنة معرض للتقسيم إن لم يقم النظام الفيدرالي». ولعل أكثر أولئك الواهمين هي تلك القوى والشخصيات الانتهازية التي تخلت عن المبادئ الطبقية والوطنية الثورية تساوقاً مع موضة «التحرير-التغيير الأمريكي» في العراق والتي تنشط على هامش هذه العملية السياسية الأمريكية الصنع، راضية بتوصيف حيتان الاحتلال لها بـ «القوى الصغيرة»، حين يتوهم هؤلاء «إمكانية تصحيح مسار العملية السياسية اللصوصية».
القوى الانتهازية واعتبارات الانتخابات
تسقط هذه القوى الانتهازية اليوم بين مؤيد ورافض للحملة العسكرية وفق تحليلات سطحية بل وانتهازية حد سقط أغلبهم في مستنقع الانتماءات الطائفية - الإثنية رغم رفعها راية الشيوعية والديمقراطية. وتنخرط في معركة القوى الطائفية لحشد وتجييش وزج الفقراء في أتون معركة القوى المتشددة دينياً الرجعية والإرهابية، في إطار شحن طائفي وديني وإثني، معركة الولاءات اللاوطنية التي تدعو إلى الاحتراب والإلغاء. لقد وضع الطرفان المتخاصمان المؤيد والرافض للحملة العسكرية هدف الفوز في الانتخابات فوق جميع الأهداف المعلنة، ولعل نوري المالكي بحكم سيطرته على مفاتيح القوة في السلطة، قد حسم نتيجة الانتخابات سلفاً بتوقيته شن الحملة بفترة قصيرة من موعد الانتخابات، فنجاح الحملة عسكرياً ولو شكلياً ومؤقتا سيوفر له عوامل الفوز في الانتخابات، أما في حالة الفشل فسيلجأ إلى إعلان الأحكام العرفية والبقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى.
إن الموقف الانتهازي من الانتخابات هو بالضبط ما يفسر الموقف الهستيري والخطاب السياسي المنافق الرافض للحملة، ولو قدر لأصحابه احتلال موقع المالكي، لما تصرفوا إلا بالعقلية نفسها، فجميع المتخاصمين من طبقة طفيلية فاسدة واحدة، وإن رفعوا رايات طائفية وإثنية متعددة..فقوى مجلس الحكم سيئ الصيت، الحاكمة اليوم بشروط ما يسمى بـ» اتفاق المصالح الاستراتيجي» الأمريكي، لم ولن تقود البلاد إلى الحل الوطني التحرري، المتمثل في إعادة تأسيس الدولة الوطنية العراقية المغدورة في انقلاب 8 شباط 1963 الأمريكي الصنع الذي أدخل العراق وشعبه في عقود من القمع والحروب والحصار، ونسخته الإمبريالية المباشرة في 9 نيسان 2003 .
صباح الموسوي* : منسق التيار اليساري الوطني العراقي عضو لجنة العمل اليساري العراقي المشترك