مولدافيا.. الشعب في مواجهة الإمبريالية
كانت جمهورية مولدافيا تعد أصغر جمهورية سوفييتية بعد أرمينيا، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وصل إلى الحكم فيها تحالفٌ سياسي يضم مختلف أشكال الغورباتشوفيين والقوميين الليبراليين، يدعى «الجمعية الوطنية الكبرى»، التي تأسست عام 1980، باسم الجبهة الشعبية القومية في مولدافيا. وقامت السلطة الجديدة بحظر الحزب الشيوعي المولدافي
أعلنت مولدافيا انفصالها عام 1991. لكن بقيت فيها قوات روسية مرابطة في إقليم «بريدنستروفيا» حتى اليوم. وأعلن الانتقال إلى اقتصاد السوق الرأسمالي عام 1992. واعترفت بها الأمم المتحدة رسمياً في العام نفسه، وأصبحت في شراكة مع حلف الناتو في برنامج السلام عام 1994. وعضواً في مجلس أوروبا عام 1995.
تابع الغورباتشوفيون والقوميون الليبراليون نهبهم للبلاد بين عامي 1991ـــــ2001، كما حصل في باقي الجمهوريات السوفييتية التي عاشت المآسي الرأسمالية منذ أكثر من عقدين، فاندلعت النزاعات القومية في البلاد في حرب استمرت سنتين في إقليم «بريدنستروفيا»، ولم تتوقف إلا بعد تدخل القوات الروسية.
عودة الحزب الشيوعي المولدافي
رفع الحظر عن الحزب الشيوعي المولدافي عام 1993. وقد أمضى الشيوعيون في لملمة صفوفهم من جديد طوال ثمانية أعوام، واستطاعوا إعادة الروح إلى الحزب الذي خربه الغورباتشوفيون، واستعد الحزب لخوض الانتخابات البرلمانية عام 2001، وأخذ يكثف عمليات تنظيم الجماهير وتحريضها طوال ثماني سنوات.
صعق الجميع من النتيجة غير المتوقعة، حيث انتصر الحزب الشيوعي المولدافي في الانتخابات البرلمانية عام 2001، وحصل على 71 مقعداً من أصل 101 مقعد في البرلمان، أي 70 % من المقاعد. وانتقلت السلطة إلى الشيوعيين من جديد، وأصبح الأمين العام للحزب «فلاديمير فورونين» رئيساً للبلاد 2001 – 2005، وأعيد انتخابه لدورة ثانية 2006 – 2009، أما الحزب الذي قاد الثورة المضادة في مولدافيا عام 1991، أي الحزب الديمقراطي المسيحي فقد حصل فقط على 8 % من مقاعد البرلمان.
جرت انتخابات برلمانية في مولدافيا في نيسان 2009 وبالنتيجة أيضاً فاز الشيوعيون بأصوات كاسحة لكن هذه المرة كان الليبراليون القوميون قد حضروا قبل الانتخابات للثورة المضادة فاجتاحوا مبنى البرلمان واحرقوه وطالبوا بمحاكمة الشيوعيين ورفعوا علم الاتحاد الأوروبي على مبنى البرلمان ونتيجة ذلك تولى رئاسة البلاد ممثل «ائتلاف التحالف من أجل التكامل الأوروبي» ميخاي جيمبو وأصبح فلاديمير فورونين رئيساً للبرلمان فقط؟!
وفي صيف عام 2011 انفجرت احتجاجات شعبية في مختلف مناطق مولدافيا، بدعوة من الحزب الشيوعي المولدافي للوقوف ضد الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية للائتلاف الحاكم الموالي للغرب، وقد سار في مظاهرة العاصمة كيشينوف 70 ألف شخص وهم يرفعون الأعلام الحمراء، كما رفعوا أيضاً في مقدمة المظاهرات لافتات مكتوبة باللغة العربية، لتوجيه التحية للحركات الشعبية في المنطقة العربية.
العلاقة الروسية المولدافية وتأثيرها على الصراع
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، شهدت العلاقات الروسية المولدافية توترات عديدة، وخاصة في سنوات وجود القوميين الليبراليين في السلطة بين عامي 1991ــــــ2001 و2009 ــــــــ 2013، كما توترت العلاقة أيضاً أثناء حكم الشيوعيين سنة 2006، وهو ما عرف بأزمة صادرات النبيذ. لكن نستطيع تحديد تيارين أساسيين، ولهما برنامجان مختلفان متضادان حول العلاقة مع روسيا، فالقوميون الليبراليون في الائتلاف الحاكم حالياً يريدون دخول الاتحاد الأوروبي، من بوابة الوحدة مع رومانيا، ليساهموا في طعن روسيا من الخاصرة المولدافية، وقاموا بطرد السفير الروسي قبل سنوات. أما الشيوعيون، فيطالبون بتعزيز العلاقات مع روسيا، وقطعها مع الغرب. وتلتقي السياسة الخارجية الروسية هنا مع ما يطرحه الشيوعيون، الذين واصلوا تحركاتهم ونشاطاتهم في هذا السياق.
وقد توترت العلاقات بين روسيا ومولدافيا أكثر في سنة 2013، بسبب التقارب الشديد الذي يبديه الائتلاف الحاكم تجاه الغرب، خاصة بعد اتفاقية الشراكة التجارية المزمع عقدها في فيلينوس بليتوانيا مع الاتحاد الأوروبي. وعلى خلفية هذه الاتفاقية، انفجرت موجة جديدة من المظاهرات التي انقسمت إلى قسمين، حيث تظاهر أنصار القوميين وهم يرفعون أعلام الاتحاد الأوروبي، مطالبين بلادهم الانضمام للاتحاد. وفي المقابل، تظاهر أنصار الشيوعيين أمام مبنى الحكومة، منددين بسعي حكومتهم للانضمام للاتحاد، حيث خطب «فلاديمير فورونين» الأمين العام للحزب الشيوعي بالمتظاهرين قائلاً: «الحكومة تكذب على شعب هذا البلد، وهم يتجاهلون الرأي العام، وذلك لأنهم سيوقعون على اتفاق سري للشراكة مع الاتحاد الأوروبي».
إن الحدث المولدافي يؤكد النفاق السياسي لوسائل الإعلام العالمية، التي قامت بالتعتيم على ما يجري لأنها حركة ضد الامبريالية والغرب، بينما انصبت كل الجهود لتغطية الحدث الأوكراني، لأن جماعات موالية لواشنطن والاتحاد الأوروبي هي من تحركها.
هذه المقالة جزء من مادة منشورة كاملة على موقع قاسيون الإلكتروني