حول أزمة مناطق الدفاع الجوي الصينية
في 7 أيلول 2010، قامت دورية بحرية من الجيش الياباني باحتجاز طاقم قارب صيد صيني، قرب جزر «دياويو» المتنازع عليها بين الصين واليابان. ومنذ حينه، عادت إشكالية تلك الجزر للظهور إلى العلن، وأخذت اليابان موقفاً عدائياً ومتشدداً مفاجئاً، بعد أن اعتادت الدولتان التغاضي عن الخوض في ملكية الجزر، تفادياً للنتائج السلبية لهكذا صدام
جزر «دياويو» هي 5 جزر صغيرة و3 صخور بحرية، وهي صينية وفق وثائق إمبراطورية تاريخية، وسجلات رحلات تجارية واستكشافية تعود إلى القرن الخامس عشر ميلادي. سيطرت عليها اليابان بعد الحرب اليابانية الصينية الأولى 1895، وبعد الحرب العالمية الثانية وخسارة اليابان، تم الاعتراف بملكية الصين لهذه الجزر، لكن الوزن الأمريكي في المحيط الهادئ، واحتلالها لليابان في حينه، فرضا واقع أنها هي من تسلّم إدارة هذه الجزر حتى الخمسينيات.
غيّرت الولايات المتحدة موقفها من الجزر بعد تسلّم الشيوعيين للسلطة في الصين، وبدأت سلسلة الاستفزازات المتكررة، عبر إعلان الولايات المتحدة ملكية اليابان لـجزر «دياويو» في أكثر من مناسبة. ومنذ عام 1972، اتفق البلدان على السماح لقوارب الصيد من الطرفين بحريّة الحركة هناك، استمر الاتفاق على مدى الأربعين السنة الماضية. يصف د.«شاندار مظفّر»* ظهور الخلاف مجدداً: «من المؤسف أن يحدث ذلك، خصوصاً بعد أن توصلّت اليابان والصين إلى اتفاق في 2011 لاعتماد العملة المحلية لكلا البلدين في التبادلات الثنائية بدلاً من الدولار، وعلى الصعيد الحكومي والخاص».
ومؤخراً، قامت الصين بترسيم «منطقة الدفاع الجوي» في المحيط الهادئ، وهي المنطقة التي تتقاطع فيها الصين واليابان وأستراليا والولايات المتحدة، وهي ذاتها المنطقة التي تمنع أية طائرة مدنية من دخولها دون تصريح مسبق، وعليه ضمّت الصين (جزر دياويو) إلى (منطقة الدفاع الجوّي).
ليس الصينيون هم من افتعلوا الخلاف، حيث أن اليابان كانت قد دفعت بدوريات عسكرية إلى تلك الجزر منذ 2010، وقامت بشراء إحدى الجزر من عائلة أحد الإقطاعيين الصينيين السابقين، متجاهلة السيادة الصينية والاتفاق الذي دام أربعون عاماً. أيضاً كانت اليابان قد رسمت «منطقة الدفاع الجوّي» في المحيط الهادئ ومن ضمنها الجزر ذاتها وغيرها من المناطق المتنازع عليها، دون أي اعتبار للدعوى المشتركة التي قدمتها الصين وكوريا الجنوبية للمحكمة الدولية، للمطالبة باستعادة أراض وجزر من «الإرث الإمبراطوري الاستعماري الياباني».
أميركا تجهز لحرب الشرق
يرجع العديد من المحللين التصعيد الياباني، في السنوات الثلاث الأخيرة، إلى نمو وزن اليمين في السياسية اليابانية ومراكز القرار. وفي الواقع، فإن الركود الاقتصادي الذي تعانيه اليابان منذ عقدين، والنمو الاقتصادي الهائل للصين، وتربعها في مركز ثاني أهم اقتصاد عالمي، ساهم بشكل كبير في تقوية الأصوات القومية المتشددة في الانتخابات، وتقدم سياساتها الاقتصادية عموماً في القرار السياسي الياباني.
لكن د.«شاندار مظفّر» ينتقل للصورة الأكبر: «لا يمكن أن يكون مصادفة ارتفاع أصوات اليمين وتقدمه في اليابان، في اللحظات ذاتها التي تسعى فيها الولايات المتحدة لإعادة ترتيب وزنها في منطقة المحيط الهادئ الأسيوية». خلال السنوات القليلة الماضية ازداد إصرار وتذكير المسؤولين الأمريكان بأهمية اتفاقية الدفاع المشترك بين اليابان وأمريكا، وفي الخلاف الأخير، بدأ الأمريكيون بالترويج لحتمية الحرب مع الصين، في حال عدم تراجعها عن مناطق دفاعها، وذلك لحماية اليابان، حسب ادعائهم.
السلوك الأمريكي ذاته يتكرر في تأجيج النزاع الفلبيني مع الصين، وكذلك النزاع الفيتنامي مع الصين على أراض حدودية، وهو الواقع المتكرر خلال العقد الأخير بشكل واضح، الولايات المتحدة تلهث لمحاصرة العملاق الآسيوي، من أقصى شرق آسيا إلى وسط آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. إن الولايات المتحدة تعد العدة لمعارك الشرق!
*د.«شاندار مظفّر»: رئيس الحركة العالمية لعالم عادل «JUST»، ماليزيا.