إفلاس الخطاب العراقي الرسمي في مواجهة الأزمات المستفحلة!
شهد الوضع السياسي العراقي، في الفترة الأخيرة، تطورات خطيرة، أولها اغتيال قائد حرس الرئيس، في وضح النهار وسط مدينة السليمانية، في إطار الصراع الدائر داخل حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» على الخلافة والأموال من جهة، ومحاولة الحزب الديمقراطي بالاستحواذ على ما تبقى من نفوذ هذا الحزب له في مواجهة المعارضة الكردية ممثلة بـ«كتلة التغيير» وحلفائها، من جهة أخرى.
وجاء التطور الثاني الخطير بإعلان الحكومة التركية، وخلال زيارة البارزاني الرسمية لديار بكر، عن نيتها فرض الوصاية على واردات نفط الشمال العراقي، بوضعها في بنك تركي والقيام بتوزيعها بين حكومة بغداد والإقليم! وجرى تسويق القرار التركي، المدعوم إمبريالياً وصهيونياً، بصيغة مقترح سيقدَّم رسمياً للطرفين المتنازعين على هذه الموارد. أما التطور الثالث فقد جاء في الإعلان الرسمي لحكومة الإقليم عن مطالبتها حلف الأطلسي بالتسليح المباشر لجيشها الخاص «البيشمركة».
الأزمة السياسية
في ظل الكارثة الإنسانية
وتأتي هذه التطورات الخطيرة في وقت تعيش فيه بقية أنحاء البلاد حالة مأساوية، نتيجة انهيار البنية التحتية لشبكة المجاري، التي طفحت واختلطت بمياه الأمطار فأغرقت المدن العراقية في الوسط والجنوب، وتسببت بتهديم الآلاف من المنازل، وغرق غالبية الأحياء الشعبية الفقيرة، واضطرار سكانها للتشرد أو الصعود إلى السطوح وتحمل قساوة البرد والمواجهة العارية لهذه السيول، مما تسبب بفقدان الكثيرين لحياتهم. لينبري تجار الفيدرالية التقسيمية من رموز الخطاب الطائفي المشبوه، إلى استغلال المعاناة الإنسانية للمواطنين، بالإعلان عن أن الفيدرالية هي الحل السحري للأزمات الاقتصادية والخدمية والصحية والتعليمية، التي تعاني منها هذه المناطق.
وجاءت ردة فعل بغداد بخطاب سياسي مرتبك، سطحي، بل، ومستهتر، فقد اتهم أمين بغداد بالوكالة أطراف في حكومة المحاصصة بتخريب شبكة المجاري عمداً، معلناً عن إلقاء هذه القوى لصخرة تزن 150 كيلوغرام في أحد الخطوط الرئيسية لشبكة المجاري، مما تسبب في تعطلها عن العمل ، ليطل رئيس الورزاء ويزيد الطين بلة حين اتهم من سماهم بـ «المتخاصمين السياسيين» بالقيام بأعمال تخريبية منظمة ومتعمدة لمنظومة المجاري، وزاد على ذلك اتهامه للمواطنيين أنفسهم بالتسبب في وقوع الكارثة التي حلَّت بهم، نتيجة إلقائهم للأوساخ في هذه المجاري، وهدَّد أطرافاً في الحكومة باستغلال هذه المأساة لأغراض انتخابية محذراً المواطنين المشردين الذين خرجوا في تظاهرات الاحتجاج على هذه الأوضاع المزرية، بأنه سيتصدى بحزم لكل أشكال التظاهر.
وزعماء التحاصص عاجزون..
وكعادته دخل رئيس البرلمان العراقي على خط الأزمة من البوابة الطائفية، معرباً عن أسفه لما آلت إليه أوضاع العراق، مبرئاً برلمانه من المسؤولية الوطنية والمهنية، رامياً الكرة في ملعب الطرف الآخر، أي الحكومة ، متهما إياها بتعطيل عمل البرلمان عمداً، ومحاولة نسف دوره التشريعي والرقابي ، متجاهلاً كونه طرفاً أساسياً في هذه الحكومة.
أما التيار الصدري فلم يتمكن من تمثيل دور المدافع عن الفقراء هذه المرة، رغم محاولة رمزه ووزرائه ونوابه تبرئة ذمتهم من هذه الكارثة، إذ تبين أن أحد هؤلاء الوزراء، وزير البلديات، هو المسؤول الأول عن هذا الملف، لم ينفذ سوى 2% من خطة الوزارة، فأسقط بأيديهم. وتبين للمواطن المقهور المتضرر بأن التيار الصدري جزء أصيل من هذه الحكومة وبنيتها السياسية الفاسدة.
لقد برهنت أحداث الأسبوع المنصرم وتداعياتها المستمرة، على حقيقة أصبحت واضحة للجميع، تقول بأن هذا النظام، القائم على أساس التحاصص الطائفي، هو مصدر الأزمات جميعاً، وتعاني مكوناته من أزمة بنيوية مولدة للأزمات، ولم يعد نظاماً عاجزاً عن تقديم الحلول الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فحسب، بل أصبح يشكل خطراً على وحدة البلاد وحياة المواطنين، خصوصاً وان آخر التقارير الدولية عن الوضع العراقي قدَّم إحصائيات، على صعيد الملف الأمني، عن أعمال العنف والإرهاب والاغتيالات، وجاء فيه: «يعتبر عام 2013 في العراق الأكثر دموية منذ عام 2008، وقد تكون حصيلة القتلى، التي مازالت في ارتفاعٍ مستمر، نذيراً لما يمكن أن يحدث في المستقبل»..
عضو لجنة العمل اليساري العراقي المشترك