الحراك الشعبي العراقي وثلاثة مظاهر نوعية في مساره
يشهد العراق حالة انهيار أمني واقتصادي وسياسي شامل، من مفخخات وعنف طائفي، إلى بطالة ونهب، ونظام سياسي وصل إلى طريق مسدود
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية «نيسان 2014» الورقة الوحيدة الباقية من أكذوبة «عراق: ياباني/ ألماني»، تتخبط الكتل السياسية الحاكمة الثلاث «التحالف الوطني- العراقية- التحالف الكردستاني»، وتنغمس في وحل الفساد والنهب والتمزق حداً لم يعد بإمكانها الاتفاق على إخراج مسرحية تعديل قانون الانتخابات، ناهيكم عن تشريع قانون الأحزاب، في وقت يسفك فيه دم المواطن وتنتهك كرامته على يد النظام والإرهاب في آن واحد.
استمرار الفرز في الحراك
انطلق حراك 13 آب 2013، كرد فعل على هذه الأوضاع المأساوية ورفع شعاره الشهير «لا لتقاعد البرلمان» اللصوصي، ليتطور في استعادة لمشهد حراك 25 شباط 2011 من حيث عراقيته إثر انضمام محافظتي أربيل ودهوك إلى جانب محافظات الوسط والجنوب.
يأتي هذا التطور الهام بالتزامن مع مظهر ثانٍ طغى أخيراً على حراك المنطقة الغربية والشمالية الغربية، وهو تحرر منصات الاعتصام من رموز تنظيم القاعدة الفاشي، وفلول النظام الساقط بالاحتلال، كما ترافق مع تفويض محافظ الأنبار بالتفاوض مع الحكومة حول المطالب المشروعة، وهي مطالب عراقية تتعلق بحقوق الإنسان العراقي السياسية والاقتصادية، كانعكاس مباشر لسقوط وهم الحل العسكري للأزمة السورية وما يترتب عليه من مشاريع تفتيت للعراق وسورية.
الأجهزة الأمنية أيضاً
أما المظهر الثالث الجديد في هذا المسار الشعبي الاحتجاجي، فيتمثل في عجز أجهزة القمع الحكومية على مواجهته رغم حجمه الصغير نسبياً، وعدم تحوله إلى حراك شعبي عريض وواسع، مما يعطي إشارة إلى الانهيار المحتم لهذه الأجهزة لحظة التحول من الحراك المحدود إلى الحراك الجماهيري الواسع، وإمكانية انحياز قطاع واسع من هذه القوات إلى جانب الشعب، خصوصاً وأن غالبيتها تتكون من أبناء الكادحين والفقراء، وجاء استهتار قادة هذه القوات الميلشياوية بمشاعر الناس ليصب الزيت على نار الغضب الشعبي، أحد قادة هذه الميلشيات أهان كرامة المرأة العراقية بقوله للنساء المتظاهرات:«دعونا نساعدكم في حل الأزمة وتلبية مطالبكم...هاتوا النساء الأرامل في المرة القادمة لنتزوج منهن ثلاث ورباع وإنقاذهن من الفقر«!
تراجع الفضاء السياسي الطائفي
ومن الجدير ذكره هنا، هو ملاحظة تغيير تركيبة الكتل الحاكمة الثلاث باتجاه التمزق والتفتت، فانتخابات كردستان - العراق أدت إلى انهيار التحالف الكردستاني عملياً بعد سقوط «الاتحاد الوطني»، وتراجع نفوذ الحزب «الديمقراطي الكردستاني» من جهة وصعود المعارضة الكردية إلى المرتبة الأولى من جهة أخرى. يأتي هذا التطور الدراماتيكي ليكمل مشهد تمزق الكتلتين «العراقية» و«التحالف الوطني»، فنحن نشهد خاتمة فترة هيمنة التحالفات الطائفية الإثنية لمصلحة الخيار الوطني التحرري العراقي المولود من رحم الأزمة الوطنية العراقية التاريخية.
لقد وصل رعب نظام المحاصصة الفاسد حداً لم يعد يميز فيه بين مطلب الحراك الشعبي الراهن المحصور في «إلغاء تقاعد البرلمان»، وذلك المطلب الذي رُفع في حراك 25 شباط 2011، أي شعار «إسقاط النظام»، مما حدا بقادة النظام إلى اتخاذ القرار الانتحاري التقليدي في مواجهة الحراك السلمي بالعنف، الذي سيفضي حتماً إلى رفع سقف المطالب ويدفع الجماهير دفعاً في نهاية المطاف إلى الطريق الوحيد المفضي إلى تحقيق تطلعات الشعب العراقي، طريق الثورة الشعبية. فحكام العراق اليوم يسيرون على خطا الأنظمة الدكتاتورية المتوهمة إمكانية إخماد الاحتجاجات الشعبية بقوة السلاح والقمع والقتل.
صباح الموسوي : منسق التيار اليساري الوطني العراقي وعضو لجنة العمل اليساري العراقي المشترك