جولات «كيري» المكوكية !

جولات «كيري» المكوكية !

على وقع هجمة عنصرية/استعمارية تستهدف الإنسان العربي الفلسطيني وأرضه المحتلة المنكوبة باحتلال عامي 1948 و1967، يبدأ وزير الخاريجة الأمريكية زيارته الخامسة للأراضي المحتلة.

وكتأكيدعلى الطبيعة الاحتلالية/الإجلائية/الاستعمارية، يصر قادة كيان العدو على تهجير عشرات الآلاف من المواطنين العرب أصحاب الأرض، وتدمير العديد من القرى في منطقة النقب المحتلة منذ عام 1948تطبيقاً لخطة «برافر- بيجن». كما يستمرون في مصادرة مئات الدونمات من أراضي محافظة نابلس. بالوقت ذاته الذي تقوم فيه قواتهم العسكرية/القمعية بتصعيد واضح لحملة اعتقالات، تستهدف مناضلين فلسطينيين من مختلف الكتائب والسرايا المقاتلة.

حكومة نتنياهو الراهنة -كما كل حكومات العدو- لايكمن لها أن تكون «شريك سلام» كما يتوهم -بحسن النوايا!- البعض. لأن مابني على الغزو والطرد والقتل، لايحمل سوى العدوان والتوسع. ولهذا قام ائتلاف حكومة العدو الأخير على وجود رئيسي/فاعل لقادة المستعمرين- المستوطنين ـ الذين يتمتعون بوزن كبير داخل الحكومة والتجمع السكاني الاحتلالي، كما نراه في المراكز السياسية والتنفيذية التي يشغلها أولئك. وهذا ماكشفت عنه نشرة «المشهد» الصادرة عن مركز «مدار» البحثي، داخل الأراضي المحتلة عام 1948. فداخل مكتب رئيس الحكومة يبرز دورمستشاره للأمن القومي اللواء احتياط يعقوب عميدور، وسكرتير حكومته اللواء احتياط افيجاي مندلبليت من قادة التيار الديني الصهيوني. كما أن ستة وزراء ونواب وزراء يسكنون في عدة مستعمرات، وهم:
وزير الحرب موشي يعلون، ويسكن في مستعمرة «مكابيم- ريعوت»، ووزير التربية والتعليم، شاي بيرون، ويسكن في مستعمرة «أورانيت»، ووزير الإسكان، أوري أرئيل، ويسكن في مستعمرة «كفار أدوميم»، والوزير أوري أورباخ، ويسكن مستعمرة «موديعين»، ونائب الوزير إيلي بن دهان، ويسكن في مستعمرة «هار حوماه» في جبل أبو غنيم، ونائب وزير الخارجية، زئيف ألكين، ويسكن في مستوطنة «كفار ألداد». لهذا،أمام الانزياحات/التحولات التي يشهدها الكيان منذ عقد من الزمن ،تتوضح داخل الكيان/الثكنة قوى وتكتلات تندفع نحو المزيد من العنصرية والفاشية، المغلفة بالدين حيناً -ثلث الرتب العسكرية المتوسطة في جيش العدو، مستعمرون ينتمون للتيار الديني الصهيوني-، وبالتشدد القومي الصهيوني أحياناً أخرى.
في ظل هذه الأوضاع، خاصة، داخل حكومة للعدو، تختزن هذا الفائض من التوجهات والإجراءات العنصرية/الإقصائية/التوسعية، يبدأ كيري زيارته في محاولاته الحثيثة لجلب الطرفين لطاولة المفاوضات. هذا المسعى الذي اصطدم بموقف نتنياهو وحكومته الرافض تقديم أي بوادر «حسن نوايا» لقيادة السلطة في رام الله المحتلة. لهذا يحاول كيري دفع الطرفين للوصول للمفاوضات عبر بدائل اقتصادية، يقوم على إنجازها رموز/ مندوبي السياسة الاقتصادية الإمبريالية المتوحشة، كما برز ذلك على هامش منتدى البحر الميت الأخير. اللافت في ماتسرب عن عوامل التشجيع على الزيارة الخامسة لكيري، هو تراجع/تنازل، قيادة التفاوض الفلسطينية عن مطالبها الثلاثة التي وضعت كشروط للعودة للمفاوضات:«تجميد الاستيطان، التزام خط الرابع من حزيران، الإفراج عن الأسرى». لكن اللافت للنظر، أن هناك ترتيبات تجري، بعيدة عن الأضواء، كي يقوم «شمعون بيريس» بتوقيع قرارات إطلاق سراح بعض الأسرى القدامى الذين مضى على اعتقالهم أكثر من 20 عاماً. وهو ماأكده رئيس الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى أمين شومان (توجد مفاوضات سرية تدور في هذه الأوقات داخل اجتماعات سياسية للإفراج عن الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل أوسلو والبالغ عددهم 107 أسرى كشرط للعودة إلى المفاوضات). وهذا ماكتب عنه«ايلي بردنشتاين» في صحيفة معاريف يوم الثلاثاء 25 /06:«نتنياهو قرر تحرير سجناء فلسطينيين ويفكر بتجميد البناء خارج الكتل مقابل التخلي عن خطوط 1967.. نتنياهو مستعد لتنفيذ مبادرات طيبة، وقُبيل صيام رمضان في 7 تموز، يحرر عدداً معيناً من السجناء المحتجزين في السجن منذ قبل اتفاقات أوسلو. إضافة إلى ذلك، فإن إمكانية أن يتخذ نتنياهو قراراً رسمياً في المجلس الوزاري على تجميد البناء خارج الكتل الاستيطانية في يهودا والسامرة تصبح معقولة أكثر فأكثر. الرئيس الفلسطيني أبو مازن سيتخلى من جهته عن طلبه المركزي الذي هو استئناف المحادثات مع «إسرائيل» على أساس حدود 1967 وترسيم المبادىء لحدود الدولة الفلسطينية كشرط مسبق لاستئناف المحادثات».
إذاً، نحن أمام تنازل جديد تذهب إليه قيادة السلطة التي  أسقطت مطلبين/شرطين أساسيين، ركزت عليهما لسنوات عديدة. ربما يعتقد بعضهم أن خروج الأسرى لفضاء الحرية، سيلعب دوراً في كسب الشارع وتنفيس احتقانه. لكنهم يجهلون-رغم أهمية تلك الخطوة- أنها لاتكفي لدى أهل الأسرى والجماهير الفلسطينية، لعودة التفاوض، التي أضاع فيها الفلسطينيون سنوات طويلة، والأهم أنها أفقدتهم: الأبناء والأرض والحياة الكريمة، وأبعدتهم كثيراً عن قضايا ماسمي «الحل النهائي». هذه المفاوضات التي-إذا تحققت- لن تستمر في ظل الوضع الراهن سوى بضعة أسابيع، نتيجة التعنت الصهيوني والبرنامج الاحتلالي، والانحياز الأمريكي لحكومة العدو، والحائط المسدود الذي ستصطدم عليه أوهام قيادة السلطة التي أعادت «تجريب المجرب»!.