«المليحة» بين تضحيات الجيش.. و«التعفيش»!
التعفيش الذي تم في بعض المناطق التي جرى طرد المسلحين منها لم يعد سلوكاً فردياً يقوم به هذا أوذاك، بل أصبح ظاهرة خطيرة من حيث تبعاتها السياسية والاجتماعية تقوم بها جماعات تملك النفوذ وتبيح تعفيش كل ما هو موجود في البيوت،
التي اضطر أصحابها لتركها تحت ضغط المعارك على أمل أن يعودوا ذات يوم من رحلة التهجير القسري التي فرضت عليهم حتى لو كانت منازلهم قد أصابها التدمير أو الحرق أو التخريب ولكن رحلة العودة هذه أصبحت حلماً يراودهم وهم في مناطق التهجير المختلفة يعانون فيها ما يعانون.
مدينة المليحة إحدى مدن الغوطة الشرقية التي يقطنها الكثير من سكان دمشق الذين لجؤوا إليها خلال العقود الفائتة مع تفاقم ازمة السكن وغلائها في مدينة دمشق والمليحة كباقي المناطق التي تم طرد المسلحين منها، حيث قدم الجيش العربي السوري من أجل ذلك الكثير من الشهداء وخسرت المدينة بنيتها التحتية والمساكن التي تركها أصحابها على أمل العودة الحلم، ولكن هذا الحلم انكسر مع ما جرى من تعفيش واسع لاثاث منازلهم وإخراجها إلى المناطق المجاورة لمدينة المليحة بقصد بيعها، بطريقة المزاد بالجملة وعلى عينك يا تاجر، بين أصحاب المحلات المختصين ببيع المسروقات وبين من يجلبها، ويمكن أن نلقي الضوء على بعض المشاهدات التي كانت تجري على الملأ وفي الشارع.
- سوزوكي محمله لحدها الأقصى طرحت للبيع وتم البازار عليها (السوزوكي، والعفش) حيث رسى البازار على (150 ألف ل.س) كما طلب جالبها.
- سيارة أخرى محملة بأنواع مختلفة من أبواب الخشب الداخلي والخارجي وثمن الباب في الحالة العادية يتراوح بين (50-60 ألف ليرة سورية) تم بيع الحمولة بعشرة آلاف ليرة.
- سيارة محملة بطقم جلوس يقارب ثمنه (100 ألف ليرة سورية) بيع بـ (20 ألف ليرة سورية). وهناك الكثير من هذه الحالات يمكن الإضاءة عليها وتعدادها مثل بيع كابلات الكهرباء المنتزعة من داخل الجدران مفاتيح الكهرباء والقواطع الكهربائية مع لوحاتها.
التقينا بعض المهجرين في المناطق المحيطة بمدينة المليحة فكانت ردود فعلهم وغضبهم شديدين على ما شاهدوه.
- أم العبد أم لخمسة أطفال تركت منزلها في مدينة المليحة، قالت وهي متأثرة إلى حد بعيد بلهجتها العاميه (عم حاول أنسى بس ما عتظبط معي... شو ساوي والله كل شيء غالي عليي راح، لك هادا بيتي، يعني مملكتي.. لك كل شيء راح هيك.. ما عمتنبلع معي).
- امرأة أخرى شاهدت فرن الغاز الذي كان في مطبخها وهو يباع لأحد المحلات، تقدمت لصاحب المحل، هذا الفرن لي أريده.. لقد سرق من بيتي.
أجابها البائع.. إدفعي ثمنه وخديه.. هبت المرأة عليه دفاعاً عن حقها المسروق وجرى تلاسن شديد لينتهي الأمر إلى لا شيء.
- أبو محمد قال: ليش نحن مندفع ثمن الحرب.. المسلحين يقولون لنا أنتم أعوان النظام، وبيوتكم وأغراضكم من حقنا وهي دعم (للثورة) أتركوها، وروحوا لعند (النظام) خرجنا من بيوتنا، ولما رجعت المليحة راحت بيوتنا.. يقولون لنا هي غنائم لنا.. أنتو «ساعدتوا» المسلحين منيح إلّي تاركينكم بها المكان.
لقد باتت ظاهرة التعفيش تحمل في طياتها مخاطر حقيقية ليس من جهة انه اعتداء على حق شخصي للمواطن فقط، بل من جهة تأثيره على دور الضامن الوحيد للوحدة الوطنية أي الجيش العربي السوري من خلال محاولة تحميله وزر هذا السلوك من الإعلام المعادي لسورية وشعبها وهو الذي يقدم التضحيات الجسام في طول البلاد وعرضها من دماء وأرواح جنوده وضباطه ولكن الحقيقة التي يعرفها الجميع ولا تحتاج لكثير من التوضيح والتمحيص بأن بعض المليشيات التي تكونت خلال الأزمة هي التي تقوم بذلك وتسيء إلى سمعته، بدلاً عن مساندة الجيش وزيادة الالتفاف الشعبي حوله في مواجهة التكفيريين القادمين من الخارج ومن في حكمهم من السوريين.