النضال الطبقي للحرفيين 1913 ـ 2013 (2)

النضال الطبقي للحرفيين 1913 ـ 2013 (2)

المرحلة الثانية من التطور الاقتصادي الاجتماعي للحرفيين تبدأ منذ منتصف ستينيات القرن العشرين، وبشكل خاص بعد التحولات الاقتصادية الاجتماعية التي حدثت في سورية بعد التأميم ونشوء القطاع العام وحتى الآن، ومن أهم محطات هذه المرحلة.

نشوء التنظيم الحرفي

صدر القانون رقم 250 عام 1970 الذي نظم العمل النقابي للحرفيين، ولكن ليس في نقابات كما كان في السابق، بل في اتحادات الجمعيات الحرفية لكل مهنة في إطار الاتحاد العام للحرفيين، وكان ذلك أول قانون ينظم المهن الحرف في سورية، وكان ذلك خطوة هامة لمصلحة الحرفيين، وحقق لهم هذا القانون تسهيلات ومكتسبات كثيرة مثل الحصول على المواد الأولية من الجمعيات الحرفية والقروض والتمويل وتسويق منتجاتهم ودخولهم مناقصات الدولة.

كتب النقابي الشيوعي إبراهيم بكري عن موقف الحزب الشيوعي السوري من هذا القانون في جريدة نضال الشعب العدد 135 أواخر آذار 1970 وانتقد نقابات أرباب العمل المنحلة إلى الجمعيات الحرفية الأمر الذي ساوى بين كبار الصناعيين وصغار الحرفيين، وكان ذلك لمصلحة كبار الصناعيين والوسطاء والسماسرة فقط وأدى إلى هيمنتهم ليس على السوق فقط اي على المستهلكين والعمال بين على صغار الحرفيين أيضاً.

لقد ساوى القانون بين كبار الصناعيين والحرفيين وبين الحرفيين الصغار من جهة التمويل والتسويق، وأدى ذلك إلى ابتلاع الكبار للصغار، وكذلك ابتلاع أصحاب المحلات التجارية لإنتاج الحرفيين الصغار عن طريق شراء منتوجاتهم بأسعار بخسة وبيعها للمستهلكين بأسعار عالية.

وقد شن كبار الصناعيين وأصحاب الحرف وكبار التجار حرباً ضد هذا القانون للهيمنة عليه، وحصل نضال وصراع من أجل تشكيل الجمعيات الحرفية لصغار الحرفيين، جرت السيطرة على الجمعيات الحرفية من الأعلى بين عامي 1970 – 1980 نتيجة تزايد النشاط الرأسمالي الطفيلي وتحالف الرأس المال البيروقراطي معه، وكان تشكيل جمعيات حرفية لصغار الحرفيين قد تم خلال هذا الصراع.

كما أن التطور الاقتصادي الاجتماعي الذي حصل منذ الستينيات قد أوجد طبقات وشرائح متوسطة، وقد بقي الحرفيون يشكلون قسماً من هذه الفئات الوسطى، ولم يجر تقريبهم من الطبقة العاملة، كما حصل ما بعد عام 1938 حيث تم تشكيل نقابات عمالية للحرفيين، أما تشكيل جمعيات لهم فأبقت على عدم التجانس الطبقي لهم على حساب الصغار وهيمنة الكبار.

 

دور الحزب الشيوعي

نشط الحزب الشيوعي السوري مبكراً في العمل بصفوف الحرفيين وتنظيمهم في صفوف الحزب والنقابات منذ منتصف الثلاثينيات، وبمبادرة من الحرفيين الشيوعيين تم تشكيل نقابات لمهن الخياطة والنجارة والخراطة والحدادة والحلاقة وغيرها عام 1938 في دمشق وحلب وحمص ومحافظات أخرى، كما كان الشيوعيون يقفون على رأس الإضرابات التي شنها الحرفيون أعوام 1933 – 1937 – 1946 مدافعين عن الإنتاج وحقوق الحرفيين في تنظيمهم في نقابات ورفع الأجور ومنع التسريح من العمل وتخفيض ساعات العمل.

بعد نشوء التنظيم الحرفي عام 1970 كان الحزب الشيوعي ممثلاً في العديد من الجمعيات الحرفية، بل وصل الشيوعيون إلى قيادة التنظيم الحرفي مثل الرفيق عدنان درويش رئيس الجمعية الحرفية للخياطة بدمشق لعدة دورات والرفيق إدوار خوام ممثل الحزب في اتحاد الحرفيين في محافظة حلب لعدة دورات والذي كان يحقق 250 اشتراكاً لجريدة الحزب «نضال الشعب» في صفوف الحرفيين سنوياً، وكان يعمل في مهنة الخراطة بالإضافة إلى رفاق آخرين.

كان يقود عمل الحرفيين الشيوعيين المكتب النقابي المركزي التابع للجنة المركزية وتتبع له المكاتب النقابية المنطقية في المحافظات وعلى أبواب انتخابات الجمعيات الحرفية الدورية كان المكتب النقابي المركزي للحزب الشيوعي السوري يعقد اجتماعات ولقاءات مع الحرفيين، يناقش فيه أوضاع الحرفيين ومطالبهم وأوضاع التنظيم الحرفي ورؤية الحزب حول الانتخابات الحرفية وشعارات الحرفيين الشيوعيين في الانتخابات التي كانت تتمحور بـ تطوير العمل الحرفي وتحرير الحرفيين من النهب البرجوازي الطفيلي والبيروقراطي والسوق السوداء، ومن أجل توفير المناخ في سبيل تحقيق وإنشاء الجمعيات التعاونية الإنتاجية خاصة وأن إنتاج الحرفيين كان يشكل نسبة عالية من الإنتاج الصناعي. 

كان للشيوعيين مواقف كثيرة في الدفاع عن الحرفيين وتمثيل مصالحهم مثل الحريات النقابية للحرفيين ومنع التسريح من التنظيم الحرفي على أساس الإنتماء السياسي ورفع العرائض المطلبية في مختلف القضايا، كما كانت صحف الحزب المركزية والمنطقية والنقابية تتبنى مطالب الحرفيين، وتدافع عنهم مثل صحيفة الحياة النقابية الصادرة عن المكتب النقابي المركزي ونضال الشعب المركزية وقاسيون وفي سبيل حياة أفضل وغيرها من الصحف المنطقية.

 

مواجهة السياسات الليبرالية

 

جاءت رياح الليبرالية الجديدة إلى سورية بدءاً من قانون الاستثمار رقم 10 عام 1990 وكان التنظيم الحرفي يضم آنذاك أكثر من 85 ألف عضو، عدا العمال الذين يعملون في ورشات الحرفيين مع من يعيلونهم، بلغ عددهم المليون شخص عام 1990.

لقد جاء هذا القانون وعمليات الاستيراد من الخارج التي سمح بها إلى قيام منافسة غير متساوية بين الإنتاج الحرفي والصناعي الصغير، مع البضائع الأجنبية والرأسمال الأجنبي وبداية إغراق السوق المحلية بهذه البضائع.

لقد أدى ذلك إلى تخريب الإنتاج الحرفي الصغير وتراجع في الإنتاج الحرفي المتوسط وهيمنة الكبير منه وتحوله إلى وكيل للبضائع الأجنبية القادمة بين عامي 1990 – 2005 وهي المرحلة الأولى من السياسات الليبرالية المدمرة، وكان ذلك يجري ببطء.

بعد السياسات الليبرالية الدردرية عام 2005 التي شرعت الأبواب أمام التراجع المتسارع للإنتاج الحرفي، وبدأت الورشات الحرفية الصغيرة بإغلاق منشآتها لعدم قدرتها على المنافسة مع الخارج، وكذلك الإنتاج الحرفي المتوسط الذي تم تخريب جزء منه، وتراجع الجزء الآخر وأصبح إنتاجاً صغيراً.

تم إغلاق منشآت النجارة التي كان الحرفيون ينتجون فيها الموبيليا بعد استيراد مثيلتها من الخارج، وكذلك ورش تصنيع الأحذية وتصليح الساعات والحدادة، وعانت من ذلك أيضاً حرف الخراطة والحدادة والخياطة واللحامة والميكانيك وصناعة الخزف وغيرها.

لقد وقع الحرفيون مباشرة في المواجهة مع الرأسمال الأجنبي ووكلائه المحليين وأصبح هؤلاء يشكلون جيشاً من العاطلين عن العمل، وفقدوا أعمالهم التي يعيشون منها وأصبحوا عمالاً موسميين، أو يعملون في أعمال هامشية في أحزمة الفقر في المدن الكبرى، أو شردوا في جيش البطالة المتعاظم بين عامي 2005 – 2011.

لقد قامت السياسات الليبرالية التي طبقت على مرحلتين في البلاد 1990– 2005 و2005 -2011 بتخريب الإنتاج الحرفي لمصلحة الرأسمال الأجنبي، ونشأت بيئات مهمشة من الحرفيين السابقين نتيجة ذلك، وبعد انفجار الأزمة في البلاد أصبح هؤلاء المهمشون يشكلون وقوداً سريع الاشتعال، وتحولت مناطقهم المنتجة في السابق إلى مناطق للتوتر الاجتماعي.