جفاف نهر العاصي وآثاره السلبية
يُعدّ نهر العاصي واحداً من أهم الأنهار في بلاد الشام، إذ ينبع من لبنان ويمر عبر سورية قبل أن يصب في الأراضي التركية. وعلى مدار قرون طويلة، شكّل هذا النهر شرياناً للحياة الزراعية والاقتصادية والاجتماعية في المناطق التي يجري فيها، وارتبط بالتراث والهوية الثقافية لسكان المدن التاريخية مثل حمص وحماة. إلا أنّ السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً خطِراً في منسوب مياه العاصي، حتى وصل الأمر في عام 2025 إلى مستويات غير مسبوقة من الجفاف، مما أثار مخاوف محلية ودولية حول مستقبل هذا النهر الحيوي.
أسباب الجفاف
تعود أزمة جفاف نهر العاصي إلى مجموعة من العوامل المتراكمة، أبرزها التغير المناخي الذي أدى إلى انخفاض واضح في معدلات الهطول المطري والثلوج وخاصة في مناطق المنابع. كما ساهمت الزيادة السكانية والطلب المتنامي على المياه في ازدياد الضغط على الحوض المائي للنهر. إضافة إلى ذلك، أدت السدود التي أُنشئت على النهر إلى تقليل كمية المياه المتدفقة في مجراه الطبيعي. ولا يمكن إغفال مشكلة الضخ الجائر من الآبار الجوفية التي تُعد مصدراً أساسياً لتغذية النهر، إذ أصبح استنزاف المياه الجوفية يفوق معدلات تجددها السنوية.
الآثار البيئية
تسبّب جفاف نهر العاصي في أضرار بيئية جسيمة، حيث جفّت مساحات واسعة من ضفافه،
واختفت موائل كثيرة للكائنات الحية. وقد سُجل نفوق كبير للأسماك نتيجة انحسار المياه وارتفاع درجات الحرارة، كما تراجع الغطاء النباتي وانحسرت الأراضي الزراعية الخصبة التي كانت تعتمد على النهر في الري. ونتيجة لغياب الجريان المائي، أصبحت بعض أجزاء النهر عبارة عن برك راكدة تتراكم فيها المخلفات وتنبعث منها الروائح، ما زاد من التلوث البيئي.
الآثار الاقتصادية
أثّر جفاف العاصي بشكل مباشر على قطاع الزراعة، وخاصة في سهل الغاب وأرياف حمص وحماة، حيث يعتمد آلاف المزارعين على مياهه لري محاصيلهم. وقد تراجع إنتاج العديد من المحاصيل الأساسية مثل القمح والخضروات والقطن، ما أدى إلى خسائر كبيرة للمزارعين وارتفاع تكاليف الإنتاج. كما تضررت الثروة السمكية وخسر كثير من العاملين في هذا القطاع مصادر رزقهم. وتوقفت بعض الأنشطة السياحية المرتبطة بالنهر، مثل المطاعم والمشاريع التي تعتمد على جمال النهر وحركته، وهو ما انعكس سلبياً على الدخل المحلي.
الآثار الاجتماعية والصحية
لم تقتصر تداعيات الجفاف على البيئة والاقتصاد، بل شملت الحياة الاجتماعية للسكان. فقد انخفضت جودة الحياة لدى المجتمعات القريبة من النهر، واضطر بعض السكان إلى الهجرة بسبب تراجع الزراعة وانعدام مصادر الدخل. كما أدّى ركود المياه في بعض المناطق إلى زيادة احتمالات انتشار الأمراض المرتبطة بالحشرات والملوثات. وانخفض مستوى المياه الجوفية، مما أثّر على آبار الشرب المنزلية، وزاد من الأعباء المعيشية على الأسر.
الآثار الثقافية
يمتلك نهر العاصي أهمية تاريخية وثقافية، خاصة في مدينة حماة التي تشتهر بنواعيرها الشهيرة. ومع جفاف النهر، توقفت النواعير عن الدوران، وهو ما شكّل خسارة تراثية وثقافية للسكان وأضعف الجذب السياحي للمدينة. إن جفاف النهر لا يعني فقدان مورد مادي فقط، بل ضياع رمز حضاري ارتبط بوجدان المنطقة لقرون طويلة.
خطط طوارئ لإدارة المياه
إن جفاف نهر العاصي يعكس أزمة مائية عميقة تواجه المنطقة، نتيجة عوامل طبيعية وبشرية متراكمة. والآثار السلبية لهذه الظاهرة تمتد لتشمل البيئة والاقتصاد والمجتمع والتراث. ولتفادي تفاقم الأزمة، لا بد من وضع خطط عاجلة وطارئة لإدارة المياه، وتشجيع أساليب الري الحديثة، والحد من الاستنزاف الجائر للموارد المائية، إلى جانب التعاون الإقليمي بين الدول المتشاركة في النهر. فالعاصي ليس مجرد مجرى مائي، بل شريان حياة ينبغي الحفاظ عليه لضمان مستقبل المناطق التي تقوم عليه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1253