الذرة الصفراء محصول استراتيجي جديد يذهب أدراج الرياح...!
يُفترض أن محصول الذرة الصفراء من المحاصيل الاستراتيجية لكن على ما يبدو أنه سيتحول هذا العام إلى عنوان جديد لتفاقم الأزمة الزراعية، أي خسارة أكبر على مستوى الأمن الغذائي الوطني وخيبة جديدة للفلاح أمام سياسات حكومية متخبطة تدّعي تشجيع الفلاح على استمرار زراعة أرضه، وكيف لا؟!
فهي من يصيغ معادلة التسعيرة التي لا تُحل بالمنطق الرياضي الذي يضمن تغطية التكاليف وربحاً معقولاً للفلاح بل بالبيروقراطية وحتمية خسارته!
غير عادلة ولا ترضي أحداً!
حددت المؤسسة العامة للأعلاف أسعار شراء الطن الواحد من الذرة الصفراء بتاريخ11/11/2025 على النحو الآتي (حسب وكالة سانا للأنباء):
260 دولاراً للطن من الذرة المجففة آلياً لمركز حلب وحماة، و250 دولاراً لمركز دير الزور، بينما سعر شراء الطن للذرة المجففة طبيعياً في جميع المحافظات 240 دولاراً، وذلك وفق المواصفات المطلوبة، كنسب الرطوبة والوزن وغير ذلك.
وحسب المعطيات الميدانية والتقارير، فلم تسجل مراكز المؤسسة أي عمليات استلام للمحصول حتى تاريخه، كما قُدر الإنتاج المتوقع، والذي يعد متراجعاً جداً، بنحو 5000 طن فقط، وهو لا يغطي 15 % من حاجة السوق المحلية وفق لتصريح مدير المؤسسة المهندس «حسين شهاب»، مقارنة بالعام الفائت حيث كان الإنتاج 338 ألف طن، وهذا يعني الاعتماد على البديل المستورد بفاتورته الدولارية طبعاً.
عزوف ومخاوف مشروعة
يتمحور السبب الرئيسي حسب عدد من الفلاحين، حول سعر الشراء غير العادل أمام ما تكبدوه من تكاليف مرتفعة بزراعته دون أي دعم حكومي، بدءاً بحراثته إلى عمليات الريّ وخاصة مع تغير المناخ والجفاف، وصولاً إلى السماد حتى يحين قطافه، ناهيك عن أجور التجفيف في ظل غياب المجففات الحكومية للعام الثالث على التوالي وبتقاعس رسمي فاضح عن تأهيلها، مع تكاليف النقل حسب بعد أو قرب مركز الاستلام.
الفلاح يكد ويكدح موسماً كاملاً ليخسر!
فمثلاً، فلاح يملك حقلاً للذرة مؤلفاً من 5 دونمات تصل تكلفة زراعته إلى 6 ملايين ليرة تقريباً، بين حراثة 250 ألف ل.س، وكيس السماد 350 ألف ل.س وهنا يحتاج 4 أكياس، أما سقاية الدونم 500 ألف ل.س وحسب عدد الريات مليونان، والبذار 1,4 مليون ل.س للدونم عدا أجور العمال وثمن كيس القطاف، بحسبة بسيطة فالتسعيرة غير مجزية وهامش الربح للفلاح قليل إن وجد مع تكاليف إضافية أخرى كالمبيدات والوقاية والنقل وغيرها، علماً أن معظم الحيازات صغيرة ومتوسط الإنتاجية نحو 700 كغ للدونم.
ناهيك عن المخاوف والمشكلات التي ستواجه الفلاح من هطول الأمطار في حال التجفيف اليدوي الذي يتم على فسحات الطرق أو أسطح المنازل، التي دفعته إلى بيع محصوله مباشرة للتاجر بغض النظر عن التجفيف ونسبة الرطوبة وبسعر وصل إلى 3000 للكيلو غرام كما في دير الزور مثلاً، بالإضافة إلى التخوف من إعادة سيناريو التأخر في صرف المستحقات المالية من قبل المصرف الزراعي كما في محاصيل أخرى كالقطن والقمح، أي إن البيع للتاجر يضمن الحصول على الثمن مباشرة مقابل تسعيرة رسمية غير مجزية بلا حوافز أو مكافآت.
أهكذا يُشجع الفلاح؟!
الاستيراد والمساعي ليكون أساسياً!
محصول الذرة كغيره من المحاصيل المستهدفة من قبل كبار حيتان الاستيراد بهدف تقليصه كمّاً إلى تقويضه بشكل كامل إن أمكن ذلك، كي يفسح لهم المجال للربح أكثر، فمع استمرار تعطل المجففات لهذا العام أيضاً أمام إهمال رسمي غير مبرر وجملة الأسباب المذكورة آنفاً وُضع الفلاح تحت ضغط الأمر الواقع ليدفعه تدريجياً للإقلاع عن زراعة المحصول في الموسم القادم، فهذه الممارسات تضمن استمرار عمليات الاستيراد التي تدعم مصالح القائمين عليها وسماسرتها، ليستمر الوضع من سيّئ إلى أسوأ.
انعكاسات اقتصادية واجتماعية خطِرة
هذا الواقع المرير، سيفاقم الأزمة اقتصادياً واجتماعياً، فالانعكاسات الاقتصادية خطِرة على المستوى الغذائي المباشر، وذلك باعتبار المحصول ركيزة أساسية في الصناعات العلفية والكثير من الصناعات الغذائية وغير الغذائية الأخرى، مثل: دقيق الذرة، وزيت الذرة، كما النشاء والمُحلّيات الصناعية والصمغ إلى الورق وغيرها، التي تقلص فاتورة الاستيراد.
ناهيك عن اتساع رقعة الفقر والبطالة وتبعات ذلك على الفلاح وإغلاق باب رزقه، فهو محصول ذو قيمة مضافة بتوفير فرص عمل وتشغيل واسعة.
بالمحصلة، هذا يعني ارتفاع أسعار السلع والمنتجات التي تدخل الذرة في صناعتها، وخاصة الغذائية، أي عبء مضاعف على معيشة المفقرين.
الأمر تجاوز النوايا إلى ممارسات وأفعال حكومية واضحة ومساعٍ جادة لتعيق أي عملية إنتاجية، وتزيد أوجه معاناة الفلاح من غياب المجففات إلى مستلزمات الإنتاج والتسعير والتسويق، علّه يتم الإقلاع بشكل نهائي عن زراعة المحصول وتتحقق مصالح كبار أصحاب الأرباح والفاسدين.
والسلطة الحالية تتحمل كامل المسؤولية لاتباعها عقلية سابقتها وسياساتها المُتعمَّدة للقضاء على المحاصيل الاستراتيجية!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1253
رهف ونوس