فاجعة في مخبر جامعي... حين ينفجر الإهمال ويحترق الإنسان

فاجعة في مخبر جامعي... حين ينفجر الإهمال ويحترق الإنسان

في مخبر جامعي يفترض أن يكون مكاناً للتعلم الآمن، انفجرت عبوة كيميائية مجهولة على يد مخبري، فاشتعل جسده أمام أعين الطلاب، بينما كانت طفاية الحريق منتهية الصلاحية منذ خمس سنوات، والدوش معطل، والإسعاف لا يصدق الاتصال، والمشفى الوطني يرفض الاستقبال. سلسلة مأساوية من التقصير المتراكم انتهت بموت رجل كان يؤدي عمله، بينما الجامعة لم تتحرك إلا بعد وقوع الفاجعة. هذه ليست حادثة... هذا انهيار مؤسسي مكتمل الأركان.

لحظة واحدة كافية لتعرية منظومة سلامة ميتة


صرخةٌ لا يمكن أن تُنسى... ورجل يحترق وسط مخبر جامعي، وطلاب مذهولون عاجزون عن فعل شيء. لحظة واحدة كشفت حجم الخراب، وعرّت منظومة سلامة ميتة، وأكدت أن حياة الإنسان في هذا الواقع أقل قيمة من عبوة كيميائية مجهولة، أو طفاية حريق تُركت لتجمع الغبار حتى انتهت صلاحيتها.
العم محمد... مخبري، لم يكن يدخن، ولا يعبث، ولا يقوم بأي خطأ، فقط كان يقوم بعمله. لحظة اشتعال المادة لم يجد حوله إلا طلاباً مرعوبين، ومخبرية تصرخ طلباً للإسعاف، وأدوات سلامة عاجزة ومتهالكة. هل هو القدر؟ لا. هذا إهمال واضح، وانهيار نظام كامل يُفترض أنه يحمي العاملين والطلاب.


سلسلة تقصير مخزية لا يمكن تجاهلها


مجريات الحادثة الفاجعة بحسب شهادات الطلاب:
المادة كانت مجهولة المصدر، محفوظة في عبوة قديمة لا تشبه نترات الفضة، رغم أن الملصق يقول ذلك.
لا يوجد إجراءات تصنيف أو تحذير أو متابعة للمواد.
الطفاية منتهية الصلاحية منذ خمس سنوات.
الدوش معطل منذ مدة طويلة.
الطلاب ما زالوا يسحبون المواد بفمهم لغياب ماصّات آمنة.
المخبر نفسه لم يُغلق بعد الحادثة، والطلاب عادوا إلى العمل فوق بقعة الألم نفسها.
الإسعاف سخر من الاتصال واعتقد أن الحادثة «مزحة»!
المشفى الوطني رفض استقبال الحالة، والمواساة عالجته لكنه التقط عدوى قاتلة خلال وجوده.
ما هذه المنظومة؟
أين السلامة؟
أين المسؤولية؟
هذه سلسلة أخطاء لا تحدث في دولة تحترم الإنسان. هذا تراكم إهمال لا يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة؛ موت أحدهم. وهذه المرة كان العم محمد.


إجراءات رئيس جامعة دمشق... خطوة صحيحة ولكن بعد ماذا؟


بعد انتشار خبر الوفاة، خرج رئيس جامعة دمشق بتصريحات مفادها: فتح تحقيق- تشكيل لجنة خبراء- طلب تحليل المادة من هيئة الطاقة الذرية- مراجعة إجراءات السلامة في المخابر.
نعم، هذه إجراءات مطلوبة...
لكن أين كانت قبل الفاجعة؟
لماذا لا تبدأ اللجان إلا بعد أن يموت أحدهم؟
كيف يُترك مخبر جامعي بلا سلامة أساسية؟
هذه الخطوات، مهما كانت نواياها، جاءت متأخرة... متأخرة جداً لدرجة أنها تُقرأ كاستجابة لامتصاص الغضب أكثر مما تُقرأ إصلاحاً فعلياً


تساؤلات اشتعلت بعد النار...


هل قتلت العم محمد المادة المجهولة؟
أم الطفاية منتهية الصلاحية؟
أم غياب أدوات الأمان؟
أم تأخر الإسعاف؟
أم رفض المشفى الوطني؟
أم العدوى في المواساة؟
أم كل هذا معاً؟
نحن أمام فاجعة متعددة الأوجه، وكل وجه فيها يحكي خللاً أعمق من مجرد «خطأ فردي».
المخبر ليس استثناءً، بل نموذجاً لمعاناة الجامعات. هذه ليست مأساة كلية الصيدلة وحدها. فجامعات كثيرة تعاني من الواقع نفسه:
مخابر بلا سلامة.
مواد كيميائية بلا تصنيف.
طفايات بلا متابعة.
مبانٍ متهالكة.
وإعلام رسمي يدفن القصة أو يهمّشها وكأن شيئاً لم يحدث.


الحقيقة موجعة والصمت جريمة

 

موت العم محمد ليس حادثاً عابراً، بل رسالة موجعة:
حين تغيب المحاسبة... يموت الأبرياء.
حين تُهمَل المعدات... يُدفن البشر.
وحين تتأخر الجامعة... تتأخر العدالة.
رحم الله العم محمد... ولتحيا الحقيقة في وجه كل تقصير، لأن الصمت بعد الآن بات جريمة لا تقلّ عن الإهمال نفسه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1253