سورية في قبضة صندوق النقد...  «إصلاحات موجعة...» والضحايا كالعادة هم الشعب!

سورية في قبضة صندوق النقد... «إصلاحات موجعة...» والضحايا كالعادة هم الشعب!

في 13 تشرين الثاني 2025، أصدر صندوق النقد الدولي بياناً في ختام زيارة فريق من خبرائه إلى دمشق بين 10 و13 الشهر نفسه، معلناً ما سماه «برنامج تعاون مكثف» مع السلطات السورية. التقرير جاء محمّلاً بعبارات مثل «تعافي الاقتصاد» و«تحسن ثقة المستثمرين» و«سياسات مالية ونقدية صارمة».

وبينما يحاول الصندوق إظهار هذه العبارات كإنجازات، يعرف السوريون جيداً أن هذه اللغة ليست سوى الغلاف المعتاد لوصفة تقشّفية قاسية، تُستخدم عالمياً لتهيئة الشعوب لتحمل نتائج سياسات لا تخدم سوى كبار المستثمرين والجهات المانحة... وليس المواطنين الذين يرهقهم الغلاء ونقص الخدمات وضيق الأفق.
البيان ذاته يعترف ضمناً، مثلاً، بأن: «البيانات الاقتصادية الموثوقة لا تزال نادرة، لكنها ضرورية لصياغة السياسات الاقتصادية وتنفيذها».
ومع ذلك، لا يتردد الصندوق في إصدار أحكام وفرض «إصلاحات» رغم غياب المعلومات الأساسية!
هذا التقرير، وهذا التوقيت، وهذه اللغة... كلها تطرح سؤالاً واحداً:
هل بدأ تطبيق وصفة صندوق النقد في سورية فعلاً؟
الإجابة المؤسفة: نعم.


لغة صندوق النقد...كلمات ناعمة تخفي وصفة موجعة


البيان يحاول تلميع صورة الواقع عبر تعبيرات مثل: «يُظهر الاقتصاد السوري بوادر تعافٍ وتحسناً في الآفاق».
لكن أي تعافٍ هذا؟
الأسعار تتصاعد- الخدمات تنهار- البنية التحتية في أسوأ حالاتها- والقدرة الشرائية للمواطن تتآكل بشكل يومي.
وعندما يقول الصندوق: «تمكنت السلطات من اعتماد سياسة مالية ونقدية صارمة».
فهذا يعني بكل وضوح؛ تقشفاً.
تقشف على حساب المواطن، على حساب الدعم، على حساب خدمات الدولة.
هذه ليست «صرامة» اقتصادية... هذه قسوة اقتصادية.
فرضا الصندوق= تنفيذ الوصفة كاملة... على حساب الفقراء.


تقليص الإنفاق ورفع الدعم


البيان يتحدث عن «زيادة الحيز المالي» وتوجيهه نحو «احتياجات أساسية».
لكن التجارب مع الصندوق تبرهن أن «زيادة الحيز المالي» هي عبارة مشفرة تعني:
رفع أسعار السلع والخدمات.
تخفيض دعم الطاقة والمواد الأساسية.
الضغط على موازنة الدولة.
تقليص التوظيف الحكومي.
بهذه السياسات يصبح المواطن هو الممول الحقيقي «لإصلاحات» الصندوق.


إصلاح ضريبي؟ أم إعادة تحميل الفقراء ما تبقى من العبء؟


الصندوق يقول: «من المهم أن يكون النظام الضريبي الجديد بسيطاً وتنافسياً».
هذه العبارة تترجم عادة إلى:
ضرائب أكبر على الاستهلاك.
ضرائب أقل على الأرباح.
في الأرجنتين ومصر وتونس، أدى هذا النموذج إلى ارتفاع الأسعار وازدياد الفقر، بينما بقيت الشركات الكبرى متمتعة بامتيازاتها ومعدلات ضريبية منخفضة.


إعادة هيكلة الشركات العامة...بداية الخصخصة


الصندوق يوصي بـ: «إعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة والسعي إلى مشاريع استثمارية كبيرة مع القطاع الخاص».
هذه بداية الخصخصة.
الخصخصة التي جربتها روسيا في التسعينيات، ومصر بعد 2016، واليونان بعد أزمة 2010... وكلها أدت إلى:
بيع مؤسسات الدولة بأرخص الأثمان.
فقدان آلاف الوظائف.
ترك خدمات أساسية في يد حفنة من المستثمرين.
هل هذا ما يحتاجه الاقتصاد السوري اليوم؟
بالتأكيد لا.


تشديد السياسة النقدية...خنق الاقتصاد المتهالك


الصندوق يريد من سورية وضع «إطار للسياسة النقدية» يضمن «استقرار الأسعار».
في التجربة العملية، هذا يعني:
رفع الفائدة.
تضييق السيولة.
تجميد الإقراض.
وهذا يؤدي إلى:
خنق الإنتاج.
ارتفاع البطالة.
تدمير أي فرصة للنمو.


«المساعدة الفنية...» اسم جميل لرقابة اقتصادية شاملة


المساعدة الفنية التي يروج لها البيان تشمل:
صياغة تشريعات القطاع المالي.
إعادة تأهيل أنظمة الدفع.
بناء قدرات البنك المركزي.
تحسين الإحصاءات.
إعادة تنظيم المالية العامة والضرائب.
كل هذا يبدو «تقنياً»، لكنه يعني شيئاً واحداً: إعادة صياغة الاقتصاد السوري بالطريقة التي يريدها الصندوق، وليس بالطريقة التي يحتاجها الشعب.
وبمجرد أن تكتمل هذه الخطوات، يصبح الطريق ممهداً لبرنامج أكبر وأكثر شراسة؛
اتفاق تمويلي مشروط يربط الاقتصاد السوري لسنوات طويلة بشروط قاسية، كما حدث في الأردن ومصر وباكستان.


تجارب دول أخرى...الصندوق لا يتغير، والنتائج تتكرر


الأرجنتين: دخلت في برنامج صندوق النقد 21 مرة.
النتيجة: تضخم تجاوز 140%- بطالة- تآكل الطبقة الوسطى.
اليونان: فرض الصندوق تقشفاً قاسياً بعد 2010.
النتيجة: 40% انخفاض في الدخل الحقيقي- هجرة جماعية- تدمير نظام الرعاية الصحية.
مصر: (2016-2023) بعد تطبيق «الإصلاحات».
النتيجة: انهيار العملة بنسبة أكثر من 70%- ارتفاع الأسعار بمعدلات قياسية- ديون غير مسبوقة.
لبنان: قبل الانهيار.
النتيجة: توصيات الصندوق بتثبيت الليرة ورفع الفوائد كانت جزءاً من الطريق السريع نحو الانهيار الكبير في 2019.
هل يريد السوريون أن يكونوا التجربة التالية؟
وهل لدى الشعب السوري القدرة على تحمّل ما لم تستطع شعوب أخرى تحمله؟


الواقع السوري... أين هو «التعافي» الذي يتحدثون عنه؟


يتحدث التقرير عن: «عودة أكثر من مليون لاجئ» - «اندماج تدريجي في الاقتصاد الإقليمي والعالمي» - «رفع العقوبات».
لكن على أرض الواقع:
لم ترفع العقوبات كما يوحي البيان.
الاقتصاد السوري لم يندمج داخلاً، فكيف بكسر العزلة للاندماج إقليمياً ودولياً.
البنية التحتية مدمرة.
الإنتاج الصناعي والزراعي يعاني.
البطالة مرتفعة والفقر يطحن الناس.
عودة اللاجئين رهن بكل ما سبق، والأعداد المتداولة ترويجية بغايات سياسية ولا تعكس الواقع.
فمن أين جاء هذا «التفاؤل»؟
إنه ببساطة لغة الصندوق المعتادة لتجميل السياسات التي يريد تمريرها.


سورية تُدفع نحو نموذج اقتصادي كارثي... ومن المستفيد؟


إن رضا صندوق النقد عن الحكومة السورية اليوم ليس شهادة نجاح... بل هو صافرة إنذار.
لأن رضا الصندوق يعني شيئاً واحداً:
أن وصفته- المجربة والفاشلة في عشرات الدول- بدأت تُطبق الآن في سورية.
هذه الوصفة ستعني:
رفع أسعار.
ضرائب جديدة.
خصخصة ما تبقى من القطاع العام.
خنق الإنتاج.
تراجع الخدمات.
مزيداً من الفقر.
ومَن سيدفع الثمن؟
الشعب السوري فقط.
فلا الصندوق سيتحمل الخسائر، ولا النخب السياسية أو الاقتصادية.
إن الحكومة التي ترضخ لوصفات الصندوق، في بلد خرج من حرب مدمرة ولم يخرج من أزمته العميقة بعد، إنما تدفع الشعب دفعاً نحو مزيد من المعاناة تحت شعار «الإصلاح».
لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع هي:
هذه ليست إصلاحات... إنها استكمال لعملية إفقار شعب كامل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1253