ملف النفايات... مشكلات إدارية وغياب الاستراتيجية
تكرر قرار تغيير موقع مكب النفايات مرتين خلال الفترة الماضية، من باب شرقي إلى الكسوة، والآن إلى شبعا، في إشارة إلى غياب استراتيجية واضحة وشاملة لإدارة ملف النفايات.
فبدلاً من وضع خطة طويلة الأمد تستند إلى دراسات معمّقة تحدد الموقع الأنسب، وتراعي الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية، تبدو العملية وكأنها ردود أفعال متأخرة على أزمات متلاحقة، أو محاولة للهروب من مشكلة قائمة من دون حلها جذرياً.
يعكس هذا التخطيط العشوائي أيضاً غياب رؤية تهدف إلى بناء نظام مستدام لإدارة النفايات، يشمل الفرز من المصدر، وإعادة التدوير، ومعالجة النفايات، وصولاً إلى التخلص منها بشكل آمن؛ فكل عملية نقل من مكب إلى آخر لا تمثل سوى تأجيلٍ للمشكلة، مما يفاقم الأعباء على المجتمعات المحلية القريبة من المكب.
كارثة بيئية!
إن اختيار موقع لمكب النفايات على بعد 500 متر فقط من مناطق سكنية في بلدة شبعا، هو بحد ذاته كارثة بيئية!
يكشف هذا القرار عن ضعف هائل في الدراسات البيئية والجغرافية التي من المفترض أن تسبق أي مشروع بهذا الحجم والتأثير. فتجاهل أهم معايير التخلص من النفايات، مثل مسافات الأمان الكبيرة بين المكبات والمناطق المأهولة، ليس استخفافاً فقط بالصحة العامة للمواطنين، بل هو أيضاً ضرب للاقتصاد المحلي، خاصة في مناطق زراعية وسياحية.
كما يثير القرار تساؤلات حول مبدأ العدالة البيئية؛ فالمناطق التي تستقبل مكبات النفايات هي مناطق تعاني أصلاً من ضعف في البنى التحتية والخدمات، وبالتالي يتم تحميل أعباء التلوث البيئي على فئات معينة من المجتمع، دون مراعاة لحقوقهم في بيئة نظيفة وصحية، ما يؤثر سلباً على جودة حياتهم، ويهدد صحتهم وسلامتهم.
غياب التنسيق
يبدو غياب التنسيق سمةً عامة، ففي حالة مكب شبعا، يظهر هذا الغياب جلياً، فقد اتخذ القرار كل من محافظتي دمشق وريف دمشق، لتعود محافظة دمشق وتقول إن اختيار المكان قامت به محافظة ريف دمشق!
إذ إن غياب التنسيق والتخطيط بين البلديات، والمحافظات، ووزارة البيئة والإدارة المحلية، بالإضافة إلى إشراك المجتمع المحلي، يجعل من حل مشكلة النفايات أمراً مستحيلاً، ويكشف عن ضعف في الحوكمة والتخطيط في معالجة القضايا الحيوية.
كما يشير تنصل محافظة دمشق إلى محاولة للتهرب من المسؤولية، رداً على احتجاجات الأهالي، بدلاً من مواجهة التحديات بشفافية ومسؤولية، وهو ما انعكس سلباً وزاد من الاحتقان الاجتماعي.
اعتماد الحلول الارتجالية
يعكس هذا القرار أيضاً نمطاً إدارياً يعتمد على ردود الأفعال؛ فبعد الإعلان عن الموقع الجديد، تنتظر الجهات المسؤولة رد فعل الأهالي، وليس بهدف الاستماع إلى مخاوفهم أو إشراكهم في عملية صنع القرار، بل أشبه باختبار لمستوى المقاومة المحتملة. فإذا قوبل القرار باحتجاج يتم التراجع عنه، في محاولة لامتصاص الغضب، وإن بدا استجابة لمطالب الأهالي.
فما حصل في شبعا هو تكرار لهذه الآلية بعد فشلها في الكسوة، ما يؤكد غياب الدرس المستفاد من تجارب سابقة، وعدم القدرة على الخروج من دائرة الأخطاء المتكررة. حيث يتم ترحيل المشكلة من مكان إلى آخر، دون الأخذ بالاعتبار التأثيرات البيئية والاجتماعية والاقتصادية على المدى الطويل.
خيارات بديلة
يتطلب الخروج من هذه الدائرة المفرغة، إرادة سياسية حقيقية تضع مصلحة المجتمع والبيئة فوق أي اعتبارات أخرى، كما يجب تبني نهج شامل ومتكامل يعتمد على التخطيط الاستراتيجي، والتنسيق الفعال، والشفافية. وذلك يشمل خطة واضحة لإدارة النفايات، تشمل جميع مراحل التعامل معها، من الفرز إلى التدوير ومن ثم المعالجة النهائية.
بالإضافة إلى ضرورة تبني أساليب علمية حديثة في معالجة النفايات، وتعزيز القدرات الفنية للمؤسسات المعنية، وتفعيل دور المجتمعات المحلية في عملية اتخاذ القرار، لضمان بيئة نظيفة وصحية للأجيال القادمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1250
سارة جمال