الإنترنت في حلب... خدمة مسروقة أم إفساح الطريق أمام الخصخصة

الإنترنت في حلب... خدمة مسروقة أم إفساح الطريق أمام الخصخصة

تشهد مدينة حلب منذ منتصف تشرين الأول 2025، أزمة انقطاع متكرِّرٍ وشبه كامل لخدمة الإنترنت، ما أثَّر سلباً على الخدمة في المدينة. ولا تجنّي حين نقول أنَّها لم تُحلَّ يومًا منذ 14 عامّاً، لكنها تعدُّ الأسوأ، مع تنوَّع التفسيرات بين أسبابٍ تقنيَّةٍ متعمَّدةٍ وسرقة كابلات الاتصالات، في ظلِّ غياب ردٍّ حكوميٍّ واضحٍ.

الأسباب المباشرة للانقطاع


تعدَّدت أسباب المشكلة، إذ وردت شكاوى عديدةٌ حول المشكلة من المواطنين، منها ما عزا السبب لسرقة الكابلات الضوئيَّة في بعض المناطق مثل الحمدانية مشروع 3000، والشهباء وصولاً إلى المناطق المحيطة بها، التي تشترك معها بمركز الخدمة ذاته، وأثَّر على الخدمة في مناطق أخرى ما سبَّب ضعفاً شديداً في الخدمة يصل حدَّ انقطاعها إلى ساعات وأحياناً إلى أيَّامٍ، دون وجود توضيحٍ حول المشكلة، أي ما يقارب 70% من أحياء حلب تشهد انقطاعاً كاملًا أو شبه كاملٍ لخدمة الإنترنت.
يذكر أنَّ هذه الخدمة في المناطق شرق حلب ما زالت مقطوعة منذ سقوط سلطة النظام، ما اضطر السكَّان للجوء إلى خدمات الإنترنت الفضائيِّ أو الهوائي، الذي لا يعدو كونه جهاز استقبال يعمل على سحب الخدمة من شبكة السوريَّة للاتصالات على حدِّ تعبير أحد التقنيِّين العاملين في هذا المجال، وبيعها للمواطنين على أنَّها إنترنت فضائي وبأسعارٍ خياليَّةٍ تصل إلى 100 دولار لقاء تركيب جهاز استقبالٍ لمشتركٍ واحدٍ أو مشتركين عدَّة.


غياب التصريحات الرسميَّة


ما يثير الاستغراب عدم وجود ردٍّ رسميٍّ عن عمليَّات السرقة، وعدم وجود أيُّ عمليَّات إصلاحٍ على الأرض، أو مبرِّراتٍ لهذا الصمت، رغم تواتر الانقطاعات واتساع نطاقها، ولم يصدر أيُّ تصريحٍ رسميٍّ من مؤسَّسة الاتصالات «تراسل» أو إدارة المحافظة حول حقيقة الأمر أو عن عزمها إجراء إصلاحاتٍ، ما يثير الشكوك ويؤكِّد ما فسَّره المواطنون إلى أنَّ هناك رضاً غير معلنٍ -أو بتعبيرٍ أدقَّ- غضُّ طرفٍ من الحكومة على انتشار خدمات الإنترنت الفضائيِّ، حتَّى تعطيه الشرعيَّة للوجود على الأرض، بوصفه قدَّم خدمات عجزت عنها الحكومة، بعبارةٍ أخرى شرعنةٌ لخصخصة القطاع تدريجيّاً. إذ وصف البعض الوضع بأنَّه «مسرحيَّة أبطالها مستفيدون من تركيب الإنترنت الفضائيِّ»، ما يثير تساؤلاتٍ حول وجود خططٍ لتسهيل سوق الإنترنت الفضائي على حساب خدمات شركة الاتصالات.
في ظلِّ عدم وجود تفسيرٍ رسميٍّ واضحٍ، وغياب أيِّ تحقيقاتٍ جادَّةٍ لملفِّ سرقة الكابلات، تبرز تساؤلاتٌ حول ما إذا كان هناك «تخريبٌ ممنهجٌ» للبنية التحتيَّة للاتصالات.


MTN وسيرياتيل


أمَّا شركتا الاتصال ليستا بعيدتين عن الأزمة، إذا طالها ضعف الخدمة وتراجعها، أي ما يقارب 40% انخفاض في جودة خدمات الاتصالات، عبر مشغلي syriatel و MTN وربَّما النسبة تزيد، ما سبَّب عجزاً فيها، فنتيجة انقطاع خدمة السوريَّة للاتصالات تراسل، لجأ المشتركون إلى شبكات الاتصالات الخليويَّة، ما ضاعف الضغط على خدماتها الوهميَّة، واضطَر المواطنين لدفع كلفٍ إضافيَّةٍ لتفعيل الباقات الشهريَّة على سبيل المثال، التي لا تقلُّ أسعارها عن 75 ألف ليرة سورية، ما ضاعف الحمل على المواطنين مع رداءة الخدمة، ودفع العديدين للتندُّر عليها، والحديث عن خدمات «اللا خدمات»، وما تقدِّمه من عروض «النهب».


أسئلة لا بُدَّ من طرحها


بناءً على ما سبق لا بدَّ من البحث عن إجابات لأسئلةٍ مشروعة يطرحها الجميع:
كيف لعمليَّات «سرقة كابلات» بهذا الحجم والتنظيم أن يحدث في مناطق متعدِّدةٍ وبصورةٍ متكرِّرةٍ، دون أن تتمكَّن أيُّ جهةٍ أمنيَّةٍ من ضبطها أو منعها؟
ولماذا تزامنت هذه الانقطاعات المتكرِّرة مع استمرارٍ حثيثٍ ومكثَّفٍ لشركات الإنترنت الفضائيِّ، التي تقدِّم خدماتها بأسعارٍ باهظةٍ لا يقوى عليها إلَّا القلَّة ومن اضطر لها؟
أليس من المنطقيِّ أن تتحوَّل الجهود لملاحقة هذه «السرقات الغامضة» بدلًا من ترك المواطن يدفع ثمناً مزدوجاً: انقطاع الخدمة الأساسيَّة، ثمَّ كلفة البديل المُكلف وغير الآمن الذي يعتمد بالدرجة الأولى على الشبكة الحكوميَّة؟ أي إنَّنا أمام سرقتين الأولى للمواطن والثانية للدولة.


هنا يتحوَّل السؤال مِن «مَن يسرق الكابلات؟» إلى «مَن المستفيد؟». هل هي «مافيا» عابرة، أم أنَّ هناك من يريد تحويل الإنترنت من خدمةٍ عامَّةٍ بيد الدولة إلى سلعة بيد شركاتٍ خاصَّة، في عمليَّة «خصخصةٍ قسريَّة» لها وبصمتٍ حكوميٍّ غير مفهومٍ! ولا سيَّما أنَّ قطاع الاتصالات يعدُّ قطاعاً سياديًّا، وإفلاته من يد الحكومة إلى يد الشركات الخاصَّة يعرِّض أمن المعلومات للمستخدمين عموماً وللدولة خصوصاً لخطر كبير.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1250