منحة «الأغذية العالمي» للفلاحين السوريين... دعم مهم أم مسكّن مؤقت؟

منحة «الأغذية العالمي» للفلاحين السوريين... دعم مهم أم مسكّن مؤقت؟

بينما يرحب المزارعون بالمساعدة، تبقى المطالب بتفعيل الدور الحكومي وتخفيض تكاليف الإنتاج أساس النهوض بالزراعة.

ففي خطوة وُصفت بالمهمة وسط ظروف اقتصادية وزراعية صعبة، أعلنت ممثلة برنامج الأغذية العالمي في دمشق «ماريان وارد» بتاريخ 30 تشرين الأول عن تقديم منحة مالية لأكثر من 30 ألف فلاح متضرر من موجة الجفاف التي ضربت البلاد العام الماضي، في محاولة لتعويض جزء من الخسائر الزراعية وتشجيع الفلاحين على الاستمرار بزراعة أراضيهم.
ورغم الترحيب بالمبادرة، إلا أن غياب بعض التفاصيل حول آليات توزيع المنحة، وقيمتها، والمناطق المشمولة، يثير تساؤلات بين المزارعين حول العدالة في التنفيذ ومدى شمول الدعم للفئات الأشد تضرراً.


دعم في زمن العطش الزراعي


تأتي هذه الخطوة في ظل واحدة من أسوأ موجات الجفاف التي شهدتها سورية خلال العقود الأخيرة، والتي أدت إلى تراجع كبير في الإنتاج الزراعي وارتفاع أسعار الحبوب والخضروات، ما انعكس سلباً على الأمن الغذائي ومستوى المعيشة العام.
ووفق ما نقلته صحيفة الوطن عن «وارد»، فإن توزيع المنحة سيتم عبر مكاتب الحوالات المرخصة لتسهيل وصول الدعم إلى الفلاحين في المناطق الريفية، مع تأكيدها على التزام البرنامج بـ«الشفافية والنزاهة» في معالجة أية شكاوى محتملة.


المزارعون بين الحاجة والشكّ


في ريف حماة والحسكة ودرعا وغيرها، تتردد عبارات متشابهة على ألسنة المزارعين:
«نريد أن تصل المساعدة لمن يستحق فعلاً، لا لمن يملك وساطة أو نفوذاً».
فرغم الامتنان للدعم الدولي، يدرك المزارعون أن عدد المتضررين يفوق بكثير العدد المستهدف، ما يجعل المنحة خطوة جزئية في مواجهة أزمة أوسع بكثير.
ففي كل قرية، هناك من خسر محصوله بالكامل أو اضطر لبيع مواشيه لتغطية الديون، ما يجعل الحاجة تتجاوز القدرة المتاحة للمنظمات الأممية.


مسؤولية الدولة... الركيزة الحقيقية للنهوض الزراعي


يرى خبراء الاقتصاد الزراعي أن المساعدات الدولية، رغم ضرورتها في الأزمات، تبقى محدودة ولا يمكن أن تكون بديلاً عن الدور الحكومي في دعم الإنتاج المحلي.
فالمطلوب اليوم أن تفعّل الدولة أدواتها الاقتصادية لتأمين مستلزمات الإنتاج- من البذار والأسمدة والوقود إلى المياه والطاقة- بأسعار مدعومة ومناسبة، وأن تُعيد النظر في سياسات التسعير والضرائب على مدخلات الزراعة.
فكل ليرة تُخفَّض من كلفة الإنتاج الزراعي، هي استثمار في الاقتصاد الوطني، وتخفيف مباشر على سلة المعيشة للمواطن.
كما أن تعزيز الاكتفاء الذاتي في الحبوب والخضروات يسهم في استقرار الأسعار ويحد من الضغط على العملة الوطنية، ما ينعكس إيجاباً على المستوى المعيشي العام.


المساعدات لا تبني اقتصاداً... بل تكمّله


توزيع المنح على ثلاثين ألف فلاح قد يخفف من آثار الجفاف مؤقتاً، لكنه لا يعالج جذور الأزمة الزراعية التي تتعلق بضعف البنية التحتية، وارتفاع التكاليف، وتقلص الاستثمار في الري الحديث.
فالمساعدات الدولية، مهما بلغت، ستبقى حلولاً إسعافية محدودة الأثر، ما لم تترافق مع سياسات وطنية مستدامة تعيد للزراعة السورية مكانتها كعماد للاقتصاد ورافعة للمعيشة.


خطوة مهمة... ومسؤولية أكبر


منحة «الأغذية العالمي» تمثل بداية إيجابية في مسار دعم الفلاح السوري، لكنها جرس تنبيه أيضاً بأن الدعم الخارجي لا يمكن أن يحل محل دور الدولة ومسؤوليتها تجاه مواطنيها.
فالمزارع الذي ينتظر الحوالة اليوم، يريد في الغد سياسة زراعية وطنية عادلة، لا منحة مشروطة ولا انتظاراً لمواسم المطر أو المساعدات.
وبين الأمل بالمنحة والخوف من التهميش، يبقى صوت الفلاح السوري هو الأصدق: «أعطونا فرصة نزرع... وسنزرع الوطن كله».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1250