دباغة الجلود... إرثٌ قديم وتحديات كبيرة
تُعد دباغة الجلود إحدى أقدم المهن في سورية، وقد شكلت تراثاً حِرفياً عريقاً ورافداً أساسياً للاقتصاد؛ فكانت الصناعات الجلدية ثالث أهم مورد للصادرات السورية بعد النفط والقمح.
وقد حظيت منتجات الجلود بسمعة عالمية مرموقة، ما جعلها من أبرز القطاعات التصديرية. ولم تقتصر أهمية الصناعة على الجانب الاقتصادي، بل هي محور لشبكة صناعية متكاملة تغذّي العديد من الصناعات والحرف الأخرى.
فيما تواجه الدباغة اليوم أزمة وجودية تهدد بزوالها، ما يتطلب إجراءات متنوعة تعيد تنظيمها وتوجيهها.
الدباغة والصناعات الأخرى
تعتمد الصناعات الجلدية، مثل صناعة الأحذية والحقائب والملبوسات والمفروشات، بشكل كبير على الجلود المدبوغة كمادة خام رئيسية.
كما ترتبط الدباغة ارتباطاً وثيقاً بقطاع تربية المواشي، الذي يعد المصدر الرئيسي للجلود الخام. وينقسم عمل الدباغات إلى ما هو مختص بجلود العجل والأبقار، وبعضها مختص بجلد الأغنام، والبعض الآخر بجلد الماعز أو الجمل. حيث يُسهم هذا الترابط في خلق دورة اقتصادية متكاملة.
وبالتالي، تعتبر الدباغة مولّداً هاماً لفرص العمل؛ فتوفر وظائف مباشرة في المعامل والمصانع، بالإضافة إلى فرص عمل غير مباشرة في الصناعات والحرف المرتبطة بها.
تحديات الإنتاج المحلي
تعاني الدباغات ما تعانيه الصناعة السورية بمجملها، وهو التدفق الهائل للمنتجات المستوردة. والتي غالباً ما تكون ذات جودة منخفضة، وتُعرض بأسعار لا يمكن للمنتجات الجلدية الطبيعية منافستها. حيث ينظر المستهلك، في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، إلى السعر كمعيار رئيسي لقرار الشراء، متغاضياً عن الجودة والمتانة.
يواجه القطاع أيضاً بحسب ما أفاد به رئيس لجنة صناعة الجلود في غرفة تجارة دمشق، محمد خير درويش، تكاليف إنتاج باهظة؛ ففي عدرا الصناعية، على سبيل المثال، يضطر الصناعيون لشراء المياه اللازمة للدباغة بأسعار مرتفعة تصل إلى 1,8 مليون ليرة للصهريج الواحد، يضاف إلى ذلك الارتفاع الكبير في أسعار الكهرباء، حيث يبلغ سعر الكيلوواط الساعي 2500 ليرة، مما يرفع تكاليف التشغيل، ويقلل من القدرة التنافسية.
كما أثر التراجع الحاد في أعداد المواشي المذبوحة، إلى تراجع كميات الجلود. فبينما كانت المسالخ قبل العام 2010 تذبح حوالي 6 آلاف رأس غنم يومياً، انخفض هذا العدد ليبلغ 250 رأساً فقط. ورغم هذا الانخفاض، تعاني السوق من فائض في الجلود، فإلى جانب الانخفاض الحاد في القدرة الشرائية داخل البلاد، لا تتجاوز نسبة التصدير 5%، ما قلل من قدرة الصناعيين والحرفيين على تصريف منتجاتهم.
صعوبات وعوائق
تأثرت الدباغة أيضاً جرّاء هجرة الكفاءات والأيدي العاملة المدربة، مما أحدث فجوة في الخبرات والمهارات اللازمة. بالإضافة إلى نقص مراكز التدريب المتخصصة لتأهيل كوادر قادرة على مواكبة التطورات الحديثة في الصناعة.
فيما تتمثل الصعوبات اليوم في عدم وجود مسالخ آلية حديثة ما يؤثر سلباً على جودة الجلود وكميتها. كما تشكل مشكلة توفير المياه تحدياً بالغ الأهمية، حيث تتطلب عمليات الدباغة، من غسل الجلود ونقعها ومعالجتها، كميات هائلة من المياه. ومع تدهور البنية التحتية وارتفاع تكاليف تأمين مصادر مياه صناعية مستدامة، تواجه المدابغ صعوبات في تلبية حاجتها.
ولا تقتصر مشكلة المياه على الجانب الاقتصادي، بل تشمل الجانب البيئي، لافتقار غالبية المدابغ إلى أنظمة معالجة المياه المستعملة، مما يؤدي إلى تلوث بيئي يؤثر على الموارد المائية المحيطة ويهدد الصحة العامة.
تطوير الصناعة وحمايتها من الانقراض
لم تتلق الدباغة في أي وقت دعماً حكومياً، باعتبارها حرفة ملوثة للبيئة، ولكن المطلوب هو الدعم الحكومي للترويج والتصدير، ومراجعة فتح باب الاستيراد للمنتجات المنافسة لحماية التصنيع المحلي، بالإضافة إلى إمكانية منح قروض ميسرة لتمكين المعامل من استيراد التقنيات الحديثة وتشجيع الدباغة النباتية والتقنيات النظيفة؛ فالتركيز على الاستدامة والمسؤولية البيئية ليس ترفاً، بل ضرورة محلية ودولية.
إلى جانب تأمين مسالخ آلية لتحسين جودة الجلود الخام، وإنشاء معاهد تدريب فنية لتأهيل كفاءات جديدة والحفاظ على الخبرة، وذلك بالتوازي مع تطبيق رقابة بيئية صارمة، تلزم المعامل بمعايير السلامة البيئية ومعالجة المياه العادمة، لضمان استمرارية قطاعها هو مصدر فخر وعامل استقرار للاقتصاد الوطني.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1249
سارة جمال