الحرائق مرة أخرى... نزوحٌ واختناق وكارثة بيئية جديدة
سلمى صلاح سلمى صلاح

الحرائق مرة أخرى... نزوحٌ واختناق وكارثة بيئية جديدة

لا تزال سلسلة الحرائق المدمرة التي ضربت سورية هذا العام مستمرة. فقد بدأت الحرائق في حبنمرة بريف حمص ووادي النصارى في 20 أيلول، قبل أن تسجل اللاذقية حرائقَ في أماكن عدة، منها برج القصب، ودير حنا، والسكرية، والريحانية، إضافة إلى طريق ربيعة باتجاه كسب، وأخرى في بستان الباشا بريف جبلة، وغابات وداي العيون في ريف حماة الغربي.

وقد أعلن وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح، يوم 25 أيلول، الانتهاء من إخماد حرائق الغابات في اللاذقية، وأن فرق الإطفاء تمكنت من السيطرة على 80% من البؤر المشتعلة، وتجري عمليات التبريد في أكثر من 10 مواقع، وذلك بعد أن تدخلت مروحيات من الجيش بتوجيه من وزير الدفاع للمشاركة بعمليات الإخماد بعد خمسة أيام من بداية اندلاع الحرائق.

كما استجابت فرق الهلال الأحمر للقرى المتضررة في منطقة وادي النصارى، حيث أسعفت 34 حالة اختناق، وساندت جهود الإطفاء بصهريجين مياه، واضطرت الفرق إلى إخلاء سكان منطقة بازورة في ريف اللاذقية بعد وصول النيران إلى منازلهم.

الصعوبات لا تنفي المسؤولية

منذ ما يزيد عن ثلاثة الأشهر لا ينطفئ حريق في مكانٍ ما، حتى يشتعل في آخر، حيث تحولت الحرائق من مجرد أخبار إلى دمار شامل للحياة والأرزاق. وقد ساهمت الظروف المناخية القاسية، وموجات الحر الطويلة والجفاف، في تحول الحرائق إلى كارثة على كل المقاييس، وأصبحت الغابات والأعشاب وقوداً جاهزاً لأي شرارة.

بالإضافة إلى صعوبات أخرى تواجه فرق الإطفاء والإسعاف، كالتضاريس الوعرة وانتشار الألغام التي تقف عائقاً أمام عمليات الإطفاء، وبُعد مناهل المياه عن المناطق المتضررة، وكذلك العجز عن توفير معدات حديثة وطائرات إطفاء.

إلا أن تكرار الحرائق المتفرقة بهذه الوتيرة، وعدم اتخاذ إجراءات وقائية واستباقية جادة، يثير تساؤلات حول مدى جاهزية الجهات المعنية لمواجهة هذه التحديات. فبعد كل حريق، تأتي الوعود بوضع استراتيجيات جديدة، وتطوير آليات الاستجابة، ولكن سرعان ما تتبخر، ليتفاجأ الجميع باندلاع حرائق أخرى أكثر مأساوية من سابقتها.

بين الكوارث الطبيعية والمفتعلة

صحيح أن العوامل الطبيعية، مثل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، تلعب دوراً في انتشار الحرائق، إلا أن هناك سوابق تشير إلى تورط أيدٍ خفيّة في إشعالها، وقد أشارت وزارة الزراعة فعلاً إلى إخماد 17 حريقاً مفتعلاً في شهر آذار فقط.

فإلى جانب الإهمال في التعامل مع المخلفات القابلة للاشتعال، هناك من يشعل الحرائق عمداً بهدف إحداث الفوضى أو الاستفادة من الأراضي المحترقة. ومع كل حريق تبرز فرص للاستغلال غير المشروع، سواء عبر تجار الفحم والحطب، أو حتى محاولات الاستيلاء على الأراضي بهدف تغيير طبيعتها واستخدامها لأغراض أخرى. فيما يعمّق هذا الاستغلال من جراح البيئة، ويحول دون تعافيها، ويحرم الأجيال القادمة من الثروات الطبيعية.

تراكم الخسائر

في خضم هذه المأساة يشعر المواطن بأنه يواجه المصير وحيداً. فبطء الاستجابة الرسمية وعدم وجود خطط إغاثة سريعة، وامتداد النيران إلى المنازل، تزيد من شعوره بالإحباط واليأس. فهو يرى النيران تأكل ما تبقى من مقومات حياته وحياة أسرته.

فالحرائق لا تقتصر على احتراق الأشجار، بل هي احتراق لأمن الأسرة ومصدر رزقها، والأمن الغذائي لسورية كلها، وأمل المواطن بمستقبل أفضل في بلد أنهكته الأزمات؛ فالمواطن يدفع الثمن ثلاث مرات، مرة صحته ومرة رزقه ومرة من جيبه.

وعلى ضوء هذه الكارثة، المطلوب اليوم وضع خطط جدية وشاملة (بيئية وأمنية) لتعزيز الإجراءات الوقائية، وتطبيق قوانين صارمة ضد المتسببين بإشعال الحرائق، وتنظيف الغابات والأحراش من المواد القابلة للاشتعال، وإنشاء ممرات نارية، بالإضافة إلى تطوير آليات الاستجابة الفعالة والسريعة، وزيادة أعداد مخافر الحراج وفرق الإطفاء وتدريبهم وتزويدهم بالمعدات الحديثة، والأهم إطلاق مشاريع لإعادة التشجير يساهم فيها المجتمع المحلي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1245