التسوّل ليس مرضاً... إنه صرخة جوع!
من جديد، تطلّ علينا محافظة حلب بخطط «مكافحة التسوّل»، وكأننا أمام ظاهرة سلوكية غريبة تحتاج إلى لجان وندوات وأطباء نفسيين. لكن الحقيقة أبسط وأقسى بكثير: التسوّل هو نتيجة مباشرة للفقر المدقع وانعدام فرص العمل، لا أكثر ولا أقل.
من المخزي أن يُختزل هذا الواقع المرير في جلسات علاج نفسي أو برامج «إرشاد سلوكي» مدتها ثلاثة أيام.
هل يعقل أن يُعالج الجوع والبطالة وانعدام الدخل بالأقراص المهدئة والمواعظ؟
هل المطلوب أن يقنعونا بأن من يمد يده في الشارع يفعل ذلك لأنه يعاني من اضطراب نفسي، لا لأنه لم يجد لقمة خبز أو حبة دواء؟
التسوّل ابن الفقر لا ابن العُقد النفسية
المتسول ليس مجنوناً، بل إنساناً طحنه الفقر.
فالمرأة التي تجلس على قارعة الطريق ليست بحاجة إلى جلسة علاج جماعي، بل إلى عمل يطعم أولادها.
والطفل الذي يبيع المحارم عند الإشارات لا يعاني من اضطراب سلوكي، بل من انعدام مدرسة تؤويه وبيت يحميه.
كل محاولة لتحويل هذه الظاهرة إلى «مشكلة نفسية» ليست سوى هروب من الاعتراف بالمسؤولية الحقيقية: مسؤولية السياسات الاقتصادية الفاشلة.
علاج الجوع بالخبز... لا بالجلسات
ما يحتاجه هؤلاء ليس «ملف تصنيف» ولا «جلسة علاجية» ولا «إعادة تأهيل» بقرارات إدارية. ما يحتاجونه:
- فرص عمل حقيقية، بأجور تكفي لإعالة عائلة.
- سياسات دعم اجتماعي تحمي الأيتام والأرامل والمطلقات وكبار السن.
- شبكة أمان اقتصادية توقف الناس عن الانزلاق إلى الشارع.
- إعادة توزيع عادلة للثروات بدل أن تبقى حكراً على قلة مستفيدة.
أما الاكتفاء بجمع الناس من الشوارع وإدخالهم إلى غرف مغلقة لثلاثة أيام، ثم إعادتهم إلى واقعهم البائس، فهو ليس حلاً، بل تجميلاً قبيحاً للمأساة.
التسوّل مرآة للسياسة... لا للناس
التسوّل ليس وصمة على الفقراء، بل وصمة على من أوصلهم إلى هذه الحال.
فحين يُترك المواطن بلا عمل... يضطر إلى التسوّل.
وحين يُترك بلا ضمان صحي... يضطر إلى التسوّل.
وحين يُترك بلا سكن أو معونة... يضطر إلى التسوّل.
إذن، التسوّل ليس «خياراً» بل نتيجة طبيعية لاقتصاد متداعٍ ونظام دعم اجتماعي غائب.
التهرب من الحقيقة تواطؤ على معاناة الناس
التهرّب من الحقيقة عبر لغة «المعالجة النفسية» لن ينقذ أحداً.
فالناس بحاجة إلى خبز، لا إلى محاضرات. بحاجة إلى عمل، لا إلى تصنيفات بيروقراطية. بحاجة إلى كرامة، لا إلى وسمهم بأنهم «مرضى نفسيون».
التسوّل صرخة جوع. والردّ الحقيقي عليها يبدأ من إصلاح الاقتصاد وتأمين العمل والدخل الكريم. كل ما عدا ذلك تضييع للوقت وتواطؤ على معاناة الناس.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1245