أزمات قطاع النقل المتراكمة والجديدة... والمواطن يدفع الفاتورة
يشهد جانب من قطاع النقل سلسلة من الاضطرابات والتحديات التي كشفت عن مكامن خلل بنيوية واجتماعية واقتصادية. من إضراب سائقي الشاحنات في 14 أيلول، مروراً باحتجاجات سائقي الأجرة العمومي على انتشار التطبيقات، وصولاً إلى تردد السلطة في تنفيذ قرارها السابق في خفض أجرة النقل العام.
وفي قلب هذه الصورة تتجلى معاناة المواطن الذي يرزح تحت وطأة التكاليف المتزايدة، سواء كان مستهلكاً يدفع ثمن ارتفاع الأسعار، أم سائقاً يعاني من تدهور دخله.
إضراب واحتجاجات السائقين
اعترض سائقو الشاحنات في البداية على تحول مكاتب الدور من أداة تنظيمية إلى وسائل بيد السماسرة، واشتكوا من تجاوزات واسعة يقوم بها عدد من كبار التجار. ليتبع ذلك قرار وزارة النقل بإلغاء المكاتب بشكل كامل، وإجبار السائقين على تأسيس شركات بخمس شاحنات كحد أدنى، أو الاندماج في الشركات الموجودة أساساً، ما حوّل المشكلة بنظرهم من فساد في التنظيم إلى إقصاء متعمد من سوق العمل لمن لا يمتلك منهم سوى شاحنة أو اثنتين ويعتمدون عليها كمصدر رزق وحيد.
وليست أزمة سائقي الشاحنات منفصلة، فقد سبق إضرابهم احتجاج لسائقي الأجرة العمومي على انتشار التطبيقات بأسعار تنافسية، ما أثر سلباً على دخلهم، في ظل غياب إطار قانوني يحمي حقوق جميع الأطراف. فيما تريثت الوزارة في قرار خفض أجور النقل العام بسبب تذبذب سعر الصرف وارتفاع أسعار المحروقات.
إشكالية الحوكمة
يبدو أن الموقف برمته هو حلقة مفرغة من انهيار العملة وارتفاع التكاليف وانخفاض الدخل تليها احتجاجات، وبالتالي تأثير على المواطن، إما بارتفاع تكاليف الخدمات والسلع أو انقطاعها.
فارتفاع أسعار المحروقات ينعكس مباشرة على تكاليف التشغيل سواء لشركات نقل البضائع أو النقل العام، وفي ظل غياب آلية تعويض أو سياسات نقدية فعالة لضبط السوق، ستنتقل هذه الزيادات إلى المستهلك، بشكل مباشر وغير مباشر، ما يعني ارتفاعاً جديداً في أسعار الخدمات والسلع الأساسية، واستمراراً في عملية التضخم.
ويلاحظ غياب المرونة عن القرارات الحكومية، حيث تُتخذ بمعزل عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية، ويغيب عنها التشاور مع الفئات المعنية قبل إصدار هذه القرارات. فرغم أن إلغاء مكاتب الدور على سبيل المثال، هدفه المعلن هو التنظيم والقضاء على الفساد، إلا أنه قد يخلق بيئة احتكارية جديدة، تؤدي إلى استغلال العاملين عبر فرض شروط تعاقدية غير عادلة أو تقليص حقوقهم.
الرابط المشترك
الخيط المشترك الذي يربط هذه الاضطرابات كلها هو معاناة المواطن المتضرر بشكل مباشر. فالحلول المؤقتة، كتأجيل قرار خفض أجور النقل، لا تحل المشكلة، بل تؤخر انفجار الأزمة. فمن جهة يتأثر السائقون، سواء في نقل البضائع أو الركاب، بسبب الفجوة بين التكاليف المرتبطة بالدولار والإيرادات بالليرة.
بينما المواطن، وإذا افترضنا أنه يحتاج إلى رحلتين فقط ذهاباً وإياباً يومياً، 22 يوماً في الشهر، وبتكلفة وسطية هي 8000 ليرة، يحتاج إلى 176,000 ليرة شهرياً أجور مواصلات، أي 17,6% من راتبه، إذا كان يتقاضى مليون ليرة بعد الزيادة 200%.
ما يعني أن أزمة النقل وارتفاع التكاليف والأسعار ليست مجرد مشكلة قطاعية، بل جزءاً من أزمة اقتصادية واجتماعية شاملة، تتطلب حلولاً جذرية، تستهدف استقرار سعر الصرف، ودعم الإنتاج المحلي، فالاستمرار في تجاهل أو «تسكين» القضايا الحيوية يعني المضي قدماً نحو مزيد من التدهور والانهيار.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1244