مأساة النازحين من السويداء إلى السيدة زينب... غياب الدولة وحضور الكارثة

مأساة النازحين من السويداء إلى السيدة زينب... غياب الدولة وحضور الكارثة

لم يعد النزوح بالنسبة لآلاف السوريين تجربة مؤقتة أو استثنائية، بل صار جزءاً متكرراً من حياتهم اليومية. ففي الأشهر الأخيرة، شهدت منطقة السيدة زينب في ريف دمشق موجة نزوح جديدة قادمة من السويداء، محملة بالقصص الموجعة والواقع المأساوي. هؤلاء النازحون ليسوا من فئة واحدة، بل هم خليط سكاني متنوع: بدو من السويداء، وأسر سبق أن نزحت خلال سنوات الأزمة من حمص ودير الزور وريف دمشق إلى السويداء، ليجدوا أنفسهم اليوم مجبرين على النزوح مرة أخرى.

إنها رحلة نزوح متكررة، تُجرّد الناس من كل شيء في كل مرة، حتى لم يبقَ لهم سوى ثيابهم على أجسادهم.

نزوح بملابس فقط، وذكريات ضائعة

ترك النازحون خلفهم بيوتهم وأعمالهم وذكرياتهم، ووصلوا إلى مراكز الإيواء بأيدٍ فارغة. تم توزيعهم على ٢١ فندقاً جرى تحويلها إلى مراكز إقامة مؤقتة، تضم اليوم ما يقارب ١٧٠٠ أسرة، بعدد إجمالي يقارب ٥٠٠٠ شخص. لكن هذه المراكز، التي كان يفترض أن تكون مكاناً آمناً، تحولت إلى بؤر للاكتظاظ والمعاناة: في الغرفة الواحدة التي صُممت لشخصين أو ثلاثة، يُحشر خمسة أشخاص على الأقل، وقد يصل العدد أحياناً إلى تسعة. أما من لم يجدوا مكاناً، فينامون في العراء بحديقة الشهداء، ويقدَّر عددهم بنحو ١٠٠ شخص.

جوع وفقر صحي

الوضع الإنساني في هذه المراكز ينحدر يوماً بعد يوم. المساعدات التي قدمتها بعض المنظمات في البداية بدأت بالتراجع بشكل ملحوظ، حتى وصل الحال بالنازحين إلى مستوى الجوع. لكل شخص رغيفان من الخبز يومياً، وأحياناً أقل. أما المواد الغذائية الأخرى فهي شبه غائبة. المنظفات ومستلزمات النظافة معدومة تقريباً، ما أدى إلى انتشار أمراض جلدية مثل الجرب والقمل، دون وجود رعاية صحية كافية.

المرضى من أصحاب الأمراض المزمنة– كالضغط والسكري والقلب والكلى والربو– يعيشون وضعاً مأساوياً بلا دواء ولا رعاية. مئات الحالات بين ذوي الاحتياجات الخاصة ومرضى السرطان تُترك لمصيرها القاسي. أما من الناحية النفسية، فإن الصدمات المتكررة خلّفت أزمات عميقة لا تجد من يحتضنها أو يعالجها.

فساد في المساعدات وتراجع المبادرات

النازحون يؤكدون أن المساعدات– سواء النقدية أو العينية– لا تصل إلى الجميع. سُمع عن دفعة نقدية واحدة وُزعت، لكنها لم تشمل إلا قلة من الأسر. هناك حديث عن فساد ونهب داخل منظومة توزيع المساعدات. المبادرات الفردية التي أطلقها متطوعون من الشباب، من خلال مطابخ خيرية أو جهود شخصية، تراجعت بدورها مع تناقص التبرعات. حتى المياه التي كان الدفاع المدني يعبئها في البداية أصبحت أقل في الكمية والوتيرة.

بطالة وتوقف للأجور

الكثير من الرجال والشباب في هذه المراكز بلا عمل. أما الموظفون الحكوميون الذين نزحوا، فقد توقفت أجورهم بمجرد مغادرتهم أماكنهم، ليجدوا أنفسهم بلا دخل. النتيجة: عائلات بأكملها بلا معيل، تعتمد على مساعدات محدودة فقط، لا تكفي لسد الرمق.

معاناة مضاعفة لأصحاب الفنادق

الفنادق التي تحولت إلى مراكز إيواء ليست مجهزة لهذا الدور. أصحابها يعانون بدورهم من تراكم فواتير الكهرباء والمياه والاهتلاك، فيما الإقامة مفتوحة للنازحين دون أي تعويضات أو حلول. فالحكومة لم تقدم دعماً لهم أيضاً، ما جعلهم في مواجهة ضغوط مالية خانقة.

التعليم المعلق والأطفال المهددون

ومع اقتراب موعد العام الدراسي الجديد، يواجه مئات الأطفال خطر البقاء بلا تعليم. فالكثير من الأسر لا تستطيع تسجيل أبنائها بسبب نقص الأوراق الثبوتية أو بسبب التكاليف المرتفعة. ولا توجد تسهيلات استثنائية كافية من الحكومة لمعالجة هذا الواقع، ما يهدد هؤلاء بالانقطاع عن التعليم.

حكومة غائبة واحتقان متزايد

اللافت في هذه المأساة هو الغياب الكامل للدور الحكومي. فلا خطط طوارئ، لا مساعدات جدية، ولا تدخل صحي أو تعليمي أو معيشي يرقى إلى حجم الكارثة.

وبدلاً من أن تكون الدولة حاضرة كملاذ أخير، تركت الناس لمصيرهم المجهول، تتقاذفهم الأزمات والجوع والمرض والبرد والحرمان.

النتيجة الطبيعية لهذا الإهمال هي احتقان اجتماعي متزايد، وأحقاد تتنامى على متسببي النزوح وبين الناس، وبين من يملك القليل ومن لا يملك شيئاً، وبين النازحين وأصحاب الفنادق، وبين الأهالي والحكومة. وضع ينذر بانفجار اجتماعي لا يقل خطورة عن الكارثة الإنسانية نفسها.

كارثة بكل المقاييس

ما يجري في السيدة زينب ليس مجرد أزمة نزوح جديدة، بل هو شهادة مؤلمة على عجز الدولة وتنصّلها من مسؤولياتها تجاه مواطنيها. آلاف السوريين اليوم يواجهون الموت البطيء في مراكز الإيواء والعراء، بينما تغيب الحلول الرسمية ويخفت صوت المنظمات الإنسانية. إنها كارثة بكل المقاييس، تدفع ثمنها الأرامل والجرحى والأطفال والمرضى، فيما يبقى الغياب الحكومي العنوان الأبرز للمشهد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1244
آخر تعديل على الأحد, 21 أيلول/سبتمبر 2025 20:08