نصف مليون لاجئ سوري أمام مفترق طرق في لبنان... هل العودة «طوعية»؟

نصف مليون لاجئ سوري أمام مفترق طرق في لبنان... هل العودة «طوعية»؟

أثار تصريح مصادر في الأمن العام اللبناني، مطلع الأسبوع الماضي، حول إمكانية عودة نحو نصف مليون لاجئ سوري من لبنان إلى بلادهم، قبل نهاية العام الجاري، جدلاً واسعاً حول مدى واقعية هذه الخطوة وظروفها. ورغم أنّ البيان الرسمي تحدث عن «برنامج العودة الطوعية» الذي أطلقته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إلا أنّ هذا المفهوم يطرح إشكاليات عميقة في السياق اللبناني- السوري، حيث تختلط السياسة بالأمن والاقتصاد والإنسان.

العودة الطوعية بين المفهوم والممارسة

مبدئياً، تُعرّف العودة الطوعية بأنها القرار الحر الذي يتخذه اللاجئ بالعودة إلى بلاده، بعيداً عن أي ضغوط أو إكراه مباشر أو غير مباشر. غير أنّ الواقع على الأرض في لبنان يشي بغير ذلك:

  • حملات التضييق والضغط، حيث شملت إجراءات مشددة على الإقامات، تقليص فرص العمل، مداهمات متكررة، وتحريض خطابي في الساحة السياسية والإعلامية.
  • البيئة الطاردة، كظروف المعيشة القاسية، وارتفاع تكاليف السكن، وصعوبة الحصول على الخدمات، التي تجعل بقاء اللاجئ في لبنان شبه مستحيل.

هذا يعني أن خيار «العودة» لم يعد دوماً وليد قناعة ذاتية بقدر ما هو نتاج «الاضطرار»، وهو ما يضع علامات استفهام على مدى انطباق صفة «الطوعية» على هذه الخطوات.

المنحة النقدية حلّ ظرفي لا يعالج أصل الأزمة

تقدم المفوضية منحة مالية لمرة واحدة لتسهيل الانتقال عبر المعابر الرسمية. لكن هذه المساعدة، رغم رمزيتها، لا تكفي لتأمين مقومات الاستقرار بعد العودة، إذ سرعان ما تنفد في ظل الوضع الاقتصادي المنهك داخل سورية. فاللاجئ العائد لا يحتاج إلى وسيلة نقل فقط، أو بضعة أشهر من النفقات، بل إلى:

  • سكن آمن بعيداً عن الدمار.
  • فرص عمل مستدامة تضمن الحد الأدنى من المعيشة.
  • خدمات عامة من صحة وتعليم وكهرباء ومياه.
  • ضمانات أمنية تحميه من الملاحقة أو أي شكل من أشكال الانتهاكات.

تحديات الواقع السوري

لا يمكن تجاهل أنّ سورية اليوم ما زالت تعيش أزمات متشابكة:

  • اقتصاد شبه منهار مع عملة فقدت قيمتها ومعدلات بطالة مرتفعة.
  • بنية تحتية مدمّرة في كثير من المناطق، مع ضعف في إعادة الإعمار الذاتي وغياب الرسمي.
  • غياب الاستقرار السياسي والأمني في الكثير من المناطق، ما يزيد من هشاشة البيئة المستقبلة للعائدين.

وفي حال لم تُعالج هذه الأوضاع، قد يتحول اللاجئون العائدون إلى نازحين داخليين، يعيشون أوضاعاً لا تقل مأساوية عن أوضاع لجوئهم السابقة.

نصف مليون عائد... ماذا يعني ذلك عملياً؟

الحديث عن عودة 500 ألف لاجئ حتى نهاية العام لا يقتصر على الجانب العددي، بل يتطلب:

  • خططاً إسكانية عاجلة لتأمين مأوى لهؤلاء.
  • موازنات ضخمة لإعادة دمجهم اقتصادياً واجتماعياً.
  • دوراً دولياً في المراقبة وتقديم الدعم الإنساني والإنمائي.

لكن في ظل غياب رؤية شاملة أو توافق دولي حقيقي، يبدو هذا الرقم أقرب إلى إعلان سياسي منه إلى خطة قابلة للتنفيذ.

الافتقار إلى شروط العودة الأساسية

إنّ «العودة الطوعية» للاجئين السوريين من لبنان إلى بلادهم، كما تُطرح اليوم، تفتقر إلى شروطها الأساسية.

فالمنحة النقدية لا تعوض عن غياب الأمن الاقتصادي والاجتماعي في سورية، والتضييق في لبنان يجعل العودة أقرب إلى «خيار قسري».

إن ضمان عودة آمنة وكريمة يتطلب قبل كل شيء توفير بيئة حقيقية للعيش داخل سورية، تشمل السكن والعمل والخدمات وضمان الحقوق. وإلا فإن مصير هؤلاء اللاجئين سيكون التنقل بين مخيمات اللجوء ومخيمات النزوح، في حلقة لا تنكسر من المعاناة الإنسانية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1244