القانون الضريبي الجديد... إعفاءات بالجملة
فرح شرف فرح شرف

القانون الضريبي الجديد... إعفاءات بالجملة

أعلن وزير المالية في الحكومة الانتقالية، محمد برنية، في منشور على منصة «لينكد إن»، عن الانتهاء من مشروع قانون الضريبة على الدخل، وأوضح أن القرار يأتي في إطار تحويل وزارته من وزارة «جباية وقهر» إلى وزارة «تنمية وبناء وشراكة».

تتسم مسودة القانون، بالشكل العام، بالبساطة مقارنة بالقانون الضريبي السابق والمُعدّل عام 2023، والذي اتسم بالتعقيد، ولكن لا يبدو أنه يحمل حلاً ناجعاً للتحديات الاقتصادية المستفحلة، بل بالأحرى هو نتاج طبيعي، بل وتكريس، للتناقضات الهيكلية العميقة التي يعاني منها الاقتصادي السوري.

بين القديم والجديد

تبرز في القانون الجديد عدة ملامح، من أبرزها غياب ضرائب تصاعدية، حيث يعتمد على شرائح ثابتة حسب نوع النشاط، بعكس القانون القديم الذي اعتمد مبدأ الشرائح التصاعدية حسب مستوى الربح للأفراد والشركات، والتي تبدأ من 10% وصولاً إلى 25% على الربح الصافي الذي يتجاوز 500 مليون ليرة، و15% على الأرباح التي تحققها الشركات المساهمة، وصولاً إلى 35% على الأرباح التي تحققها شركات استثمار النفط والغاز.

وإن كان الشكل الجديد أكثر بساطة، إلا أن هذا قد يعني بأن شركة صناعية كبرى تحقق أرباحاً هائلة ستُعامل ضريبياً بالنسبة نفسها التي تُعامل بها منشأة صغيرة في القطاع ذاته (10% للصناعة والتعليم والصحة). والأجدى كان نظاماً يجمع بين نسبة ثابتة ومنخفضة على أصحاب الدخل المحدود، ونسب تصاعدية على أصحاب الأرباح.

بالمقابل تُثير الإعفاءات الواسعة التي يقدمها القانون الجديد تساؤلات حول المستفيدين الحقيقيين منها. فرفع الحد الأدنى المعفى من 3 ملايين ليرة، إلى 60 مليون ليرة، على الرغم من أنه يبدو إيجابياً في ظاهره، إلا أنه قد يصب في مصلحة كبار المكلفين الذين يستطيعون توجيه جزء كبير من أرباحهم إلى أنشطة مُعفاة أو منخفضة الضريبة، فيما لا يستفيد أصحاب الدخل المحدود بشكل مباشر وملموس من هذه الإعفاءات.

ركيز مفرط على جذب الاستثمار

كذلك وسّع القانون الجديد من نطاق الإعفاءات لتشمل الزراعة والتصدير والاستثمار الأجنبي؛ صحيح أن جذب الاستثمار يعد محركاً ضرورياً للنمو الاقتصادي، إلا أن الإعفاءات السخيّة الممنوحة له، ولبعض القطاعات المحددة، قد تُترجم إلى زيادة في أرباح المستثمرين من دون ضمانات كافية لتحسين أجور العمال أو زيادة حصتهم في الناتج المحلي.

أما أبرز أوجه القصور في القانون الجديد تمثّل في التجاهل التام لضريبة الثروة، والميراث، والأرباح الرأسمالية غير المنتجة (مثل المضاربات المالية والعقارية). وفي هذا إعفاء صريح لأصحاب الثروات الهائلة، بحيث لا تدخل الثروات المتراكمة في تمويل خزينة الدولة.

هل من خطة لتعويض الإعفاءات؟

للوهلة الأولى تبدو الإعفاءات منطقية، فمن خلال تخفيف العبء الضريبي يتم تشجيع الاستثمار، وتوسيع الشركات لنطاق أعمالها، وبالتالي المساهمة في النمو الاقتصادي، إلا أن هذه النظرة تواجه تحديات كبرى عند تطبيقها في سياق اقتصادي واجتماعي كالذي تعانيه سورية.

وبتقدير بسيط لقيمة هذه الإعفاءات، سنفترض وجود 100 ألف منشأة كانت تسدد ضريبة بمتوسط 5 ملايين ليرة سنوياً، فإن الإعفاءات الجديدة قد تخفض الإيرادات بمقدار 500 مليار. بالتالي، سينعكس فقدان هذا القدر من الإيرادات، وإن كان افتراضياً، على الإنفاق العام، بالأخص في المجالات الحيوية (التعليم، الصحة).

أصحاب الأجور و«التحفيز» الاقتصادي

إذا ما نظرنا إلى حصة أصحاب الأجور من الناتج المحلي، والتي لا تتجاوز 9,2%، نرى استغلالاً مباشراً، يزداد عبره نصيب أصحاب الأرباح، ويُستكمل هذا الاستغلال المباشر بمقابل غير مباشر– عبر آليات ضريبية تبدو حيادية وحتى إيجابية– لا يعيد توزيع الثروة بل يشرعن الوضع القائم.

فيما سيؤدي تقليص الإنفاق إلى تقليص الخدمات المدعومة، وإجبار الطبقات المفقرة وذوي الدخل المحدود على اللجوء إلى القطاع الخاص للحصول على هذه الخدمات، ولكن بأسعار مرتفعة لا تتناسب مع أجورهم المتدنية. وبالتالي يتحمل المواطن، الذي يعاني من تراجع حصته، عبئاً إضافياً في تكاليف الخدمات الأساسية التي من المفترض أن توفرها الدولة.

أما الحجة القائلة بأن الإعفاءات ستؤدي تلقائياً إلى تحسين الأجور هي حجة ضعيفة في ظل غياب التشريعات والضمانات الكافية. فكثيراً ما يستفيد أصحاب الأرباح من هذه الإعفاءات لزيادة أرباحهم أو توزيعها على المساهمين، من دون أن ينعكس ذلك بالضرورة على الأجور والرواتب. وبالتالي تصبح الإعفاءات مجرد وسيلة لزيادة الثراء دون أن تسهم في رفع مستوى المعيشة أو تقليص الفجوة الطبقية.

الرقمنة

يركز القانون الجديد على التحول الرقمي، مبشّراً بتبسيط الإجراءات، لكن في ظل ضعف البنية التحتية، وتفشي الفساد، والجهل الرقمي، يصبح تطبيق هذه الآليات أشبه ببناء قصر على الرمال. فالانقطاع المتكرر للإنترنت، وضعف الشبكات، ونقص التجهيزات اللازمة، تحول دون تحقيق الفوائد المرجوة، بل قد تزيد من التعقيد والبطء.

ونتيجة للجهل في استخدام التقنيات الحديثة، قد يُجبر المواطنون على دفع رسوم غير مبررة لتجاوز عقبات تقنية، ما يحول الرقمنة إلى غطاء لشرعنة ممارسات غير قانونية، وإقصاء شرائح واسعة من المجتمع عاجزة عن الانخراط في اقتصاد رقمي.

ومن المفارقات أن التقنيات التي يروّج لها لتعزيز الشفافية والكفاءة، تُستخدم في ظل اقتصاد مشوه ومتدنٍّ لتعزيز هيمنة الفساد لا مكافحته، ما يجعلها أداة لترسيخ سيطرة أصحاب الأرباح.

تقدمٌ شكلي

على الرغم من المظهر المتطور والمبسط للقانون الجديد، إلا أنه يفتقر إلى نظام ضريبي تصاعدي يعد أساس العدالة الضريبية، كما يفتقر إلى خطة تعويضية للإيرادات المفقودة، وضرائب على الثروة والقطاعات غير المنتجة، وشفافية في الإدارة الضريبية، ورقابة على الإعفاءات للحيلولة دون الفساد أو المحاباة.

ما يعني تحوله إلى أداة لتكريس الظلم والتهميش إذا لم يُرفق بسياسات جذرية تعيد توزيع الثروة وتحمي العمل والإنتاج. فإن كان الهدف هو تحقيق العدالة الاجتماعية، فلن يتحقق ذلك عبر تبسيط الإجراءات فقط، وتقديم إعفاءات بالجملة، بل يتطلب رؤية تضع مصالح 90% من السوريين في جوهر التشريع، وتضمن أن تكون القوانين أداة للتنمية فعلاً لا لتعميق الفروقات الطبقية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1243