الدوام المسائي في المدارس الخاصة... توسع تعليمي أم مصالح استثمارية؟
أصدرت وزارة التربية والتعليم في الآونة الأخيرة قراراً يسمح للمؤسسات التعليمية الخاصة، بما فيها المدارس ورياض الأطفال، بفتح دوام مسائي إضافي وفق نظام الفوجين للعام الدراسي 2025-2026. القرار، الذي يأتي ضمن ضوابط ومعايير دقيقة، يهدف وفق ما أعلنته الوزارة إلى تلبية احتياجات العملية التعليمية وتوسيع فرص الالتحاق بالمؤسسات التربوية، ويشكل خطوة جديدة ضمن جهود تحسين المنظومة التعليمية في البلاد.
فرص إضافية للتعليم
يُنظر إلى الدوام المسائي رسمياً على أنه فرصة لتخفيف الضغط على المدارس الخاصة وتمكين الطلاب الذين لم يتمكنوا من التسجيل في الدوام الصباحي من متابعة تعليمهم. كما يوفر القرار مزيداً من المرونة للطلاب وأولياء الأمور الذين قد يواجهون تحديات في التنسيق بين الدراسة والعمل أو الالتزامات الأسرية. من هذا المنطلق، يمكن اعتبار القرار خطوة إيجابية من حيث زيادة فرص التعليم واستيعاب أعداد أكبر ضمن المؤسسات التعليمية.
البعد الاقتصادي: الربح قبل التعليم؟
لكن التحليل العميق للقرار يكشف عن بُعد آخر، غالباً ما تم تجاهله في الخطاب الرسمي. فالمؤسسات التعليمية الخاصة تعد قطاعاً استثمارياً يسعى إلى تعظيم الأرباح، بغض النظر عن مستوى الخدمات التعليمية المقدمة. وفتح الدوام المسائي يشكل فرصة إضافية لتحقيق الإيرادات، مع احتمال محدودية الرقابة على جودة التعليم في الفترات المسائية. بهذا المعنى، يمكن وصف القرار بأنه فرصة تجارية جديدة للمستثمرين في القطاع الخاص، أكثر من كونه حلاً جذرياً لمشكلات التعليم أو تحسين نوعيته.
تراجع التعليم العام وزيادة الحاجة للتعليم الخاص
الحديث عن سد الحاجة التعليمية في المدارس الخاصة مرتبط بشكل مباشر بتراجع مستوى التعليم في المدارس الحكومية. فالعديد من العوامل تساهم في هذا التراجع، أبرزها:
- نقص الكادر التعليمي المؤهل وعدد المعلمين غير الكافي لتغطية احتياجات الطلاب.
- ضعف الأجور والتعويضات، ما يؤثر على تحفيز المعلّمين ويؤدي أحياناً إلى هجرة الكفاءات.
- قصور في البنية التحتية والمستلزمات التعليمية، بما يشمل المرافق المدرسية والتجهيزات الحديثة، ما يجعل تجربة التعليم أقل جاذبية للطلاب.
كل هذه العوامل تدفع الأسر إلى اللجوء إلى المدارس الخاصة، رغم التكاليف العالية، سعياً وراء ضمان تعليم نوعي ومستقر لأبنائهم.
ضرورة الاستثمار في التعليم العام
التوسع في الدوام المسائي للمدارس الخاصة قد يكون حلاً مؤقتاً لتلبية الطلب المتزايد، لكنه لا يعالج الجذر الحقيقي للمشكلة. فالخيار الأجدى هو الاستثمار في تطوير التعليم العام عبر:
- زيادة عدد المعلمين المؤهلين وتوفير التدريب المستمر لهم.
- تحسين البنية التحتية وإتاحة بيئة تعليمية آمنة وجاذبة.
- توفير التعويضات العادلة وتحفيز الكادر التعليمي، بما يرفع مستوى الالتزام والجودة.
- تحديث مستلزمات العملية التعليمية لضمان تجربة تعليمية متكاملة تلبي احتياجات الطلاب.
التعليم حق وليس وسيلة للتربح
قرار الدوام المسائي في المدارس الخاصة يعكس بوضوح ازدواجية الأبعاد بين التعليم والاستثمار. فمن جهة، يوفر فرصاً تعليمية إضافية للطلاب ويزيد من مرونة العملية التعليمية. ومن جهة أخرى، يشكل أداة لتحقيق أرباح إضافية لمستثمري القطاع الخاص، دون ضمان تحسين التعليم العام أو معالجة جذور المشكلات التعليمية.
يبقى الحل الحقيقي أمام صانعي القرار هو التركيز على تطوير التعليم العام، ليكون التوسع في التعليم حقاً لجميع الطلاب وليس مجرد وسيلة لتحقيق أرباح إضافية للقطاع الخاص.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1243