تراجع الثروة الحيوانية... أزمة الأعلاف وتكاليف التربية تهدد الأمن الغذائي
تُعد الثروة الحيوانية في سورية أحد أعمدة الاقتصاد الزراعي والريفي، فهي ليست مجرد مصدر للحوم والألبان، بل قطاعاً متكاملاً يرفد السوق بمنتجات الأجبان والألبان والجلود والدباغة والصناعات المرتبطة بها، كما يسهم في تأمين فرص العمل لعشرات الآلاف من الأسر. إلا أنّ هذا القطاع الحيوي يواجه اليوم أزمة خانقة تهدد استمراريته، وتنعكس آثارها على المربين والمستهلكين والاقتصاد الوطني ككل.
أرقام متراجعة
من المؤسف غياب بيانات حديثة، لكن بحسب بيانات وزارة الزراعة السورية لعام 2023، وهي بيانات تقديرية، يبلغ عدد الأغنام نحو 18,5 مليون رأس، والماعز نحو 2,2 مليون رأس، والأبقار قرابة 841 ألف رأس. ورغم أن هذه الأرقام تبدو مرتفعة مقارنة بتقديرات أممية سابقة أشارت إلى تراجع حاد خلال سنوات الحرب، إلا أن الواقع الميداني يؤكد أن أعداد القطعان اليوم أقل بكثير مما كانت عليه قبل 2011، حين قُدرت الأغنام بأكثر من 18 مليون رأس والأبقار بأكثر من 1,1 مليون رأس.
هذا التراجع جاء نتيجة عوامل متراكمة أبرزها الجفاف وتراجع المراعي الطبيعية، والنزوح وفقدان مناطق الإنتاج الأساسية، إضافة إلى ارتفاع غير مسبوق في تكاليف التربية.
الأعلاف... عبء المربي الأول
يمثل العلف ما يزيد عن 70% من تكلفة تربية الحيوان. ومع وصول سعر الطن إلى حدود 3 ملايين ليرة سورية، باتت معادلة التربية غير مجدية اقتصادياً. في المقابل، أسعار اللحوم في السوق المحلية منخفضة نسبياً مقارنة بالتكاليف، ما يترك المربين أمام خسائر مستمرة تجبرهم في كثير من الحالات على بيع قطعانهم أو ذبحها قبل أوانها.
الأدوية البيطرية... ثغرة إضافية
تضاف إلى أزمة الأعلاف مشكلة أخرى تتمثل في ارتفاع أسعار الأدوية البيطرية وغياب الدعم الحكومي. فكثير من المربين لم يعد قادراً على تحصين قطيعه ضد الأمراض، ما يزيد من نسب النفوق والخسائر، ويهدد دورة الإنتاج الحيواني برمتها.
انعكاسات اقتصادية واجتماعية
تظهر الانعكاسات السلبية بداية على المربين، فآلاف الأسر التي كانت تعتمد على تربية المواشي كمصدر رزق رئيسي فقدت استقرارها الاقتصادي، واضطر كثير منها لترك المهنة.
ثم تظهر السلبيات على المستهلكين، فارتفاع التكاليف يقود إلى تراجع العرض المحلي، ما يرفع أسعار اللحوم والألبان تدريجياً ويضعها خارج متناول شريحة واسعة من السوريين.
أما على مستوى الاقتصاد الوطني فيمكن القول إن خسارة الثروة الحيوانية ليست مجرد قضية معيشية، بل تهديداً مباشراً للأمن الغذائي ولمكانة سورية كبلد كان يُعرف سابقاً بإمكاناته في إنتاج اللحوم ومنتجات الألبان وتصديرها.
من المستفيد؟
في ظل غياب سياسات حكومية فاعلة لدعم المربين، يبرز دور «حيتان التجارة» المسيطرين على سوق الأعلاف والاستيراد والتصدير. فهؤلاء يستفيدون من ارتفاع التكاليف محلياً عبر التحكم بأسعار الأعلاف، ومن انخفاض أسعار اللحوم داخلياً عبر شراء المنتجات بأسعار متدنية وتصديرها أو تسويقها بربح كبير. والنتيجة أن المربي خاسر، والمستهلك مثقل، والاقتصاد الوطني ينزف، بينما يزداد كبار الحيتان ثراءً.
المطلوب تدخل حكومي جدّي وفاعل وعاجل
المعالجة لا تكون إلا عبر تدخل حكومي مباشر وفاعل، يشمل:
- دعم أسعار الأعلاف وتوفيرها للمربين بشكل منظم وعادل.
- تأمين الأدوية واللقاحات البيطرية بأسعار مدعومة.
- وضع خطط وطنية لإعادة تنمية القطعان وحمايتها من التآكل.
- ضبط حركة التصدير بما يوازن بين حاجة السوق المحلي والمصالح الاقتصادية العامة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1241