المركزي والسوق الموازي... فراغ السلطة النقدية وثمنه الباهظ
في 12 آب الجاري، أصدر مصرف سورية المركزي بياناً طالب فيه المواطنين بحصر تعاملاتهم في مجال الصرافة والحوالات الخارجية بمؤسسات الصرافة المرخصة أصولاً، مرفقاً وعداً بنشر قائمة بأسمائها، ومؤكداً عزمه إغلاق أي نشاط غير مرخّص. من حيث الشكل، يبدو البيان خطوة تنظيمية، لكن من حيث المضمون، يعكس فجوة خطيرة بين الصلاحيات الممنوحة للمركزي وبين ممارساته الفعلية على أرض الواقع.
المصرف يعترف صراحة بأنه «يسعى إلى تنظيم القطاع، وكأننا أمام مهمة جديدة، لا واجب أصيل قائم منذ عقود».
والأسوأ، أنه يطالب المواطن بالالتزام بالمؤسسات المرخصة، بينما هذه المؤسسات نفسها عاجزة عن الالتزام بالسعر الرسمي أو تأمين سيولة كافية أو إزالة السقوف المشددة على السحب والتصريف. والنتيجة واضحة، فالمواطن يُدفع دفعاً إلى أحضان السوق الموازي، لا اختياراً بل اضطراراً.
السوق الموازي يملأ الفراغ
عندما يفشل المصرف المركزي في فرض سعر صرف واقعي وجاذب، أو في تأمين سرعة وكفاءة في تسليم الحوالات، يصبح السوق الموازي بديلاً شرعياً في نظر المواطن، مهما كانت مخالفة القانون واضحة.
هذا الفراغ في السلطة النقدية لا يقتصر ضرره على الأفراد، بل يضرب صميم السيادة المالية للدولة، إذ تتحول السيطرة على تدفق الأموال وأسعار الصرف من يد السلطة النقدية إلى يد المضاربين وشبكات غير رسمية، مع تجيير فوائد وعوائد هذه السيطرة لمصلحة قلة قليلة من كبار حيتان المضاربين.
الضرر يمتد إلى الخزينة والسياسة النقدية
كل ليرة أو دولار يمر عبر السوق الموازي هو خسارة مباشرة للخزينة العامة من حيث الرسوم والعمولات، وخسارة غير مباشرة أكبر تتمثل في تآكل أدوات السياسة النقدية وفقدان القدرة على التدخل الفعال في السوق.
إن استمرار هذه الحالة يحوّل المصرف المركزي من لاعب أساسي، كما يفترض أن يكون، إلى متفرج على مسرح تحدد قواعده قوى غير خاضعة لأي رقابة.
الواقع يفرض على المركزي أن ينافس
الحل ليس في التحذير أو المطالبة بالالتزام بالقنوات الرسمية، بل في جعل هذه القنوات جاذبة فعلاً من خلال:
سعر صرف واقعي يحد من الفجوة بين السوق الرسمي والموازي.
سيولة كافية في المصارف وشركات الصرافة لضمان تنفيذ العمليات دون تأخير.
إلغاء سقوف السحب التعجيزية التي تحوّل الخدمات الرسمية إلى عبء.
رقابة حقيقية على التزام المؤسسات الرسمية المرخصة بالقوانين والأسعار المعلنة.
الحل يبدأ من داخل جدران المركزي
مصرف سورية المركزي، بموقفه الحالي، لا يحمي المواطن ولا يحمي نفسه. فكل يوم يتأخر فيه عن أداء مهامه كاملة هو يوم يربح فيه السوق الموازي مزيداً من الأرض والنفوذ.
فحماية الحقوق، وضمان تدفق الحوالات عبر القنوات الرسمية، والحفاظ على قوة العملة، كلها تبدأ من داخل جدران المركزي نفسه، لا من بيانات تحذيرية موجهة لمواطن مقيد اليدين أمام مؤسسات رسمية ضعيفة القدرة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1239