قرار مصرف سورية المركزي بشأن الهدايا بادرة إيجابية غير كافية
أصدر مصرف سورية المركزي قرار لجنة الإدارة رقم (589/ل إ)، الذي يتضمن اعتماد سياسة واضحة ورسميّة بشأن قبول الهدايا داخل المصرف. وقد أكد حاكم المصرف الدكتور عبد القادر الحصرية أن هذا القرار ينبع من التزام المصرف بالشفافية وترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة، بهدف تعزيز القيم المهنية والنزاهة، وحماية المال العام، وضمان العدالة والمساواة في تقديم الخدمات للمواطنين.
وبعيداً عن الخوض في فاعلية مهام المركزي وغياب دوره على مستوى السياسات النقدية، يمكن القول إن هذا القرار «غير المألوف»، بحال قيد له النجاح في التطبيق، يأتي في إطار جهود المركزي للحد من مظاهر الفساد التي تعاني منها مؤسسات الدولة، ولخلق بيئة عمل تقوم على الثقة والمسؤولية المتبادلة بين المصرف والمتعاملين معه، وكذلك المجتمع السوري ككل.
أهمية القرار... ومحدودية أثره!
لا شك أن قرار المركزي يعتبر خطوة إيجابية وهامة، إذ يشكل إطاراً داخلياً يحكم سلوك موظفي المصرف تجاه قبول الهدايا والهدايا العينية، ويحد من تضارب المصالح والممارسات التي قد تضر بمصداقية المصرف وشفافيته.
لكن، ورغم أهمية هذا القرار، فإنه يظل محدود التأثير إذا ما بقيت مثل هذه السياسات منفردة داخل كل مؤسسة على حدة، دون وجود سياسة عامة للدولة تنظم قبول الهدايا وتكافح الرشاوى في القطاعين العام والخاص بشكل شامل ومتكامل.
لماذا نحتاج إلى سياسة عامة للدولة؟
قرار المركزي ربما يكون فرصة للتأكيد على أهمية تبني سياسة عامة للدولة تقونن وترشد قبول الهدايا وتراقبها بالتوازي مع مكافحة الفساد، وذلك للضرورات الآتية:
توحيد المعايير وتبسيطها من خلال سياسة عامة واضحة تضع معايير ثابتة تنطبق على جميع مؤسسات الدولة، مما يحول دون تضارب القواعد بين الجهات المختلفة، ويمنح موظفي الدولة إطاراً واضحاً للعمل.
تعزيز النزاهة والثقة، فالسياسة المركزية تعزز من مصداقية الحكومة أمام المواطنين، وترسل رسالة قوية بأن مكافحة الفساد مسؤولية وطنية مشتركة وليس مجرد خطوة مؤسسية منعزلة.
تسهيل المتابعة والرقابة عبر وجود إطار قانوني عام يساعد الجهات الرقابية والقضائية على فرض المساءلة بشكل فعال، وضمان تطبيق القوانين بشفافية وعدالة.
مواكبة الإصلاحات الوطنية، فبعد سقوط سلطة الأسد، أصبحت الحاجة ماسة إلى بناء مؤسسات قوية ومستقلة قادرة على محاربة الفساد المتفشي في القطاعين العام والخاص.
الأجور الضئيلة بوابة للموبقات
لا يمكن تجاهل أن انخفاض الأجور في القطاعين العام والخاص يشكل أحد العوامل الأساسية التي تفتح الباب أمام تفشي الفساد والممارسات غير القانونية.
فالأجور الضئيلة تدفع كثيراً من الموظفين إلى البحث عن مصادر دخل إضافية بطرق غير مشروعة، مما يهيئ بيئة ملائمة للرشاوى واستغلال النفوذ. لذلك، يُعد تحسين الأجور ورفع المستوى المعيشي للموظفين خطوة مهمة في مكافحة الفساد، لأنها تقلل من الضغوط الاقتصادية التي قد تدفع البعض إلى الانخراط في ممارسات فاسدة.
ضرورة مكافحة الفساد عبر القوانين والقضاء المستقل
لا يمكن الحد من ظاهرة الفساد دون توفر قوانين واضحة وصارمة تنظم أشكال التعاملات والرشاوى والهدايا كافة، مع فرض عقوبات رادعة على المخالفين. وهذا يستوجب وجود قضاء مستقل ونزيه قادر على تطبيق القانون دون تأثيرات سياسية أو ضغوط.
فالقضاء المستقل هو العمود الفقري لأي نظام حوكمة رشيد، حيث يحول دون الإفلات من العقاب، ويعزز من ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، ويشكل رادعاً فعالاً للفساد بجميع أشكاله.
خطوة إيجابية غير كافية
قرار مصرف سورية المركزي بشأن قبول الهدايا هو خطوة إيجابية لكنها غير كافية، فهي في أحسن الأحوال جزء من مشوار طويل وشامل يتطلب تبني سياسة عامة للدولة تعكس إرادة وطنية صادقة في محاربة الفساد وترسيخ قيم النزاهة والشفافية. وهذا يتطلب تعاوناً بين الجهات الحكومية وقوى المجتمع المدني وخاصة الرقابة الشعبية، والقضاء المستقل، لتأسيس نظام صارم يحمي المال العام ويعيد بناء ثقة المواطن السوري بمؤسسات بلده.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1238