الجريمة في سورية واستمرار دوامة العنف
تشير البيانات التي صنّفت سورية في المركز الأول على مستوى الدول العربية في مستوى الجريمة، والثامن عالمياً، إلى أزمة معقدة ومتعددة الأبعاد.
فقد أشار تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى مقتل 89 مدنياً، 73 منهم على يد جهات غير معروفة في شهر تموز وحده، فيما تسجّل بشكل يومي حالات قتل وخطف وسرقة وتعدٍّ على الممتلكات.
انفلات السلاح وتطبيع العنف
تتحول الجريمة مع ازدياد الفوارق الاقتصادية وتراجع سيادة القانون من أفعال فردية متفرقة إلى ظاهرة منظمة، ترتفع معها مستويات العنف. فلم تعد الجرائم التي تُعتبر بسيطة نسبياً كالسرقة تقتصر على الممتلكات، بل غالباً ما تتخللها مستويات مفرطة من العنف، تصل إلى حدّ القتل.
ويعد انتشار السلاح وتوافره وإمكانية شرائه بسهولة نسبية عاملاً يمنح المجرمين أدوات تمكنهم من إخضاع ضحاياهم، بينما يلعب غياب فرص العمل وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية دوراً في خلق بيئة خصبة للعنف، يصبح عبره وسيلة للتعبير عن الغضب أو تحقيق مكاسب بعيداً عن سلطة القانون.
كما يعد تطبيع استخدام العنف عبر وسائل الإعلام المختلفة أو بعض الخطابات التحريضية عاملاً في تكريس الجريمة كأداة لتحقيق أهداف غير مشروعة.
الفقر... دافع ومحرك للجريمة
لا يمكن عزل ارتفاع معدلات الجريمة عن السياق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، حيث يخلق الفقر والبطالة بيئة خصبة لانتشار الجريمة وتفشيها، وتتحول إلى طريقة للبقاء في ظل ظروف قاهرة، غير مقبولة وغير معتادة في الوضع الطبيعي.
فمعدلات الفقر التي وصلت إلى حدود 90% بحسب الأمم المتحدة، حولت الفقر من مجرد مشكلة اقتصادية إلى واقع ساحق ومدمر للحياة. بينما دفعت الضغوط المادية البعض إلى اللجوء إلى السرقة والسلب وما قد يترتب عليها من جرائم أخرى للحصول على لقمة العيش التي باتت شبه مستحيلة بالنسبة لعدد كبير من الأفراد.
وفي هذا السياق، لا يمكن النظر إلى الجريمة بوصفها أزمة أخلاقية فقط، فيما هي نتيجة طبيعية لانهيار القطاعات الإنتاجية الحيوية (الصناعة والزراعة)، وتدمير البنى التحتية، والعقوبات الدولية، وارتفاع الأسعار الجنوني، وانتشار البطالة خاصة في صفوف الشباب، ما يفقدهم الأمل ويدفع بهم إلى الإحباط واليأس، ويجعلهم أكثر عرضة للانخراط في النشاطات الإجرامية وشبكاتها المختلفة.
بين انهيار المؤسسات والانفلات الأمني
أدى تآكل مؤسسات الدولة الأمنية، وضعف جهاز الشرطة والقضاء، إلى ظهور عصابات ومجموعات أشرار تعمل خارج سيطرة الدولة، وتستغل الوضع الأمني الهش لتحقيق مكاسب مادية غير مشروعة أو تحقيق ثارات شخصية، ما يقوّض سيادة القانون ويخلق حالة من الفوضى، يكون ضحيتها المواطن الذي يتعرض للعنف والابتزاز.
كما أدى هذا الانفلات إلى تفشي ثقافة «الإفلات من العقاب»، سواء بسبب ضعف إنفاذ سلطة القوانين، أو الفساد، أو النفوذ، ما يولّد شعوراً بالحصانة لدى المجرمين والأشرار، ويؤدي إلى تآكل الثقة في النظام القانوني ويقوض مبدأ العدالة. وهذا بدوره يخلق دورة مفرغة من العنف والجريمة، يصبح فيها المجتمع مسرحاً لتصفية الحسابات الشخصية، وانتشار الجريمة، بما فيها المنظمة، ومزيداً من التدهور في الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
التناقضات العميقة والحل السياسي
التصاعد المقلق للجريمة، والعنف المصاحب لها، هي مؤشرات بأن الجريمة ليست سلوكاً فردياً منعزلاً، بل نتاج تناقضات أعمق، لا يمكن علاجها عبر تدابير أمنية فقط، بل لا بد من معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى ظهورها وانتشارها، اعتباراً من ضرورة إعادة إقلاع عجلة الاقتصاد، وتوفير فرص عمل، وتحقيق العدالة الاجتماعية، مروراً بسحب السلاح المنفلت ومحاسبة المتورطين، وليس انتهاءً بمسار العدالة الانتقالية، وكل ذلك لا يمكن له أن ينجز إلا عبر بوابة الحل السياسي المتمثل بالمؤتمر الوطني العام والشامل، الذي يضمن للسوريين حق تقرير مصيرهم وينتج سلطة تمثل مصالحهم وتكفل حقوقهم وتحرص على مستقبلهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1238