استلام الرواتب ... عملٌ شاق أمام الصرافات
أصبحت الطوابير الطويلة أمام الصرافات وفروع المصارف الحكومية وكوات البريد لاستلام الرواتب– أو محاولة استلامها– جزءاً من حياة الموظفين والمتقاعدين، والتي تجسد صراعاً يومياً للحصول على ما يسد الحاجة، في ظل تآكل مستمر في القدرة الشرائية.
فكل ساعة يقضيها المواطن في هذا الانتظار الطويل تعني ساعة مفقودة من الإنتاجية، وساعة مضافة إلى عبء الحياة اليومي، وساعة تزيد من التعب والإحباط واليأس.
مظاهر المعاناة
يقضي الموظف أو المتقاعد ساعات طويلة، قد تشمل ساعات الصباح أو حتى اليوم بأكمله، وهو يقف في الطابور تحت أشعة الشمس الحارقة، ولا يُقاس هذا الوقت الضائع بالساعات فحسب، بل يُترجم إلى تعب وإرهاق جسدي ونفسي، وتوتر وقلق ينعكس سلباً على حياة المواطنين، ويرسخ في أذهانهم صورة قاتمة لواقع من المعاناة في سبيل الحصول على أبسط الحقوق المالية.
كما أن التوتر الناتج عن الانتظار الطويل، والشعور بالإهانة والإحباط، كلها عوامل تساهم في خلق بيئة مناسبة للخلافات والمشاحنات بين المنتظرين في الطوابير.
سقف السحب المنخفض ونقص الصرافات
فاقم سقف السحب المنخفض من الصرافات والمحدد بـ 200,000 ليرة بكل عملية، وبـ600,000 ليرة كل أسبوع، من المعاناة، فالموظف الذي أصبح راتبه مليون ليرة بعد الزيادة على سبيل المثال، يضطر إلى استخدام الصراف الآلي ثلاث مرات كنتيجة للانتظار في الطابور لمرة واحدة، ولعدة أيام بطوابير إضافية خلال الأسبوع لسحب كامل راتبه، ما يستنزف طاقته، ويجعله في حالة قلقٍ وبحث دائم عن السيولة.
بينما قد يضطر عدد من المواطنين إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى صراف آلي، نتيجة النقص الحاد في الصرافات التي تعمل بكفاءة وتتوفر فيها السيولة النقدية الكافية. بالإضافة إلى ما تعانيه الشبكات المصرفية من التهالك، وتكرر الأعطال في أجهزة الصراف، وضعف شبكة الإنترنت والانقطاع الكهربائي، ما يؤدي إلى توقف الخدمات بشكل دوري.
تعميق الفقر
في ظل غياب قنوات صرف رواتب فعّالة ومتاحة ومنتشرة، يضطر الموظفون إلى تكبد مشقة كبيرة للحصول على مستحقاتهم الشهرية. فهذه الدورة المفرغة من خسارة الوقت والجهد أو تحمل تكاليف مواصلات متكررة للوصول إلى الصرافات، تزيد من الأعباء المالية وتنهك القيمة الحقيقية للرواتب الضئيلة أصلاً.
بينما الأكثر إيلاماً هو ما تمثله هذه العملية من امتهان لكرامة المواطن، فعوضاً عن أن يكون استلام الحقوق سلساً وميّسراً، يتحول نتيجة سوء الإدارة ونقص الأموال وتعطل الصرافات إلى معاناة يومية، تقوّض الشعور بالمواطنة، وتُفقد الراتب قيمته المعنوية لا المادية فقط، وتؤدي إلى تآكل الثقة في مؤسسات الدولة.
الحدّ من ظاهرة الطوابير
لا تختلف طوابير استلام الرواتب عن الطوابير الأخرى المنتشرة في عموم البلاد، لكونها انعكاساً لاقتصاد منهار وبنية تحتية متدهورة ونظام مالي عاجز وسوء إدارة في بلد يعيش 90% من سكانه تحت خط الفقر.
ويتطلب التخفيف الفوري من هذه المعاناة إجراءات عملية كفتح سقف السحب اليومي والأسبوعي، وزيادة أعداد الصرافات واستبدال القديم والمتعطل منها وتزويدها بالسيولة بانتظام، وتعزيز الثقة بخدمات الدفع الإلكتروني وتوسيعها لتقليل الاعتماد على التعامل النقدي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1238