الطلاق في سورية... أزمة اقتصادية تهدد بنية المجتمع
رشا عيد رشا عيد

الطلاق في سورية... أزمة اقتصادية تهدد بنية المجتمع

لم يعد الطلاق في المجتمع السوري حالة فردية عابرة، بل تحوّل إلى ظاهرة اجتماعية متفاقمة تحمل مؤشرات خطِرة على تماسك الأسرة والمجتمع.

ورغم تعدد أسبابه، إلا أن البعد الاقتصادي يقف في مقدمة العوامل المؤدية إلى تفكك الأسر السورية، ما يضع الدولة أمام مسؤولية كبرى لمعالجة جذور المشكلة قبل تفاقم آثارها.

أرقام تعكس عمق الأزمة

تشير بيانات المكتب المركزي للإحصاء إلى تسجيل 46,827 حالة طلاق في عام 2022 مقابل 225,549 عقد زواج، بنسبة تقارب 12,4%، وهي زيادة ملحوظة بنسبة 11% عن عام 2021، وفق تقرير لموقع العربي الجديد بتاريخ 8 تشرين الثاني 2024.
كما تفيد تقديرات موقع سورية اليوم بأن معدل الطلاق بات يقترب من 40% من حالات الزواج، أي إن كل 29 ألف زواج يقابله نحو 11 ألف طلاق.
هذه الأرقام لا تعكس مجرد خلافات زوجية، بل تكشف عن أزمة بنيوية مرتبطة بالواقع الاقتصادي والمعيشي الذي تعيشه الأسر السورية.

الفقر والبطالة... قنابل موقوتة داخل البيوت

يعيش السوريون تحت ضغوط معيشية غير مسبوقة، إذ يشير تقرير البنك الدولي الصادر في 7 تموز 2025 إلى أن ربع السكان يعيشون في فقر مدقع، وثلثيهم تحت خط الفقر الأدنى.
هذه المؤشرات تعني أن شريحة واسعة من الأسر باتت عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية وعدم استقرار الأسواق.
في هذا الواقع، تصبح الحياة الزوجية أكثر هشاشة؛ فرب الأسرة المنهك في تأمين لقمة العيش يجد نفسه في دوامة من الضغوط اليومية، فيما تزداد التوترات داخل الأسرة مع غياب أي أفق اقتصادي واضح. ومع انتشار البطالة وخسارة آلاف المواطنين لوظائفهم، يتحول الخلاف الزوجي البسيط إلى شرارة انهيار كامل للحياة الأسرية.

عوامل مساندة للأزمة

وعلى الرغم من أن الاقتصاد هو المحرك الأساسي للطلاق، إلا أن هناك عوامل ثانوية تساهم في تفاقم الظاهرة، أبرزها:

  • الهجرة والسفر بحثاً عن فرص عمل، وما تسببه من فجوات عاطفية بين الزوجين.
  • وسائل التواصل الاجتماعي التي تخلق مقارنات وهمية وتزعزع الثقة بين الشريكين.
  • الزواج المبكر والفوارق الاجتماعية والثقافية التي تعمّق فجوات التفاهم داخل الأسرة.

هذه العوامل تعمل مجتمعة على تسريع تفكك الأسر، لكن جذورها تعود دائماً إلى هشاشة الوضع الاقتصادي وانعكاساته على الاستقرار النفسي والاجتماعي.

الأطفال... الضحايا الصامتون

يدفع الأطفال الثمن الأكبر لهذه الأزمة، إذ تؤكد الدراسات النفسية أن أبناء الأسر المفككة يعانون من القلق والتوتر، ويميلون إما إلى العدوانية أو الانطواء، مع تراجع في التحصيل الدراسي وصعوبة بناء علاقات اجتماعية مستقرة.
هذه الآثار لا تتوقف عند الطفولة، بل تمتد إلى المراهقة والشباب، لتنتج أجيالًا أكثر هشاشة نفسياً وأقل قدرة على الاندماج الاجتماعي، ما يهدد مستقبلاً استقرار المجتمع برمته.

دور الدولة... من الشعارات إلى السياسات

إن مواجهة ظاهرة الطلاق ليست مسؤولية الأسر وحدها، بل تتطلب تدخلاً حكومياً مباشراً عبر:

  • تحسين مستوى المعيشة من خلال سياسات عادلة للأجور وتوفير فرص العمل.
  • توسيع برامج الدعم الاجتماعي للفئات الأشد فقراً للحد من الضغوط المعيشية المدمرة للأسرة.
  • إطلاق حملات توعية وتأهيل للشباب المقبلين على الزواج لتعزيز مهارات التكيف مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
  • تعزيز خدمات الدعم النفسي والاجتماعي للأسر المعرضة للتفكك.
  • إعادة النظر في القوانين الأسرية المتعلقة بالنفقة والحضانة لضمان حماية الأطفال واستقرارهم النفسي.

فالأسرة هي اللبنة الأولى للمجتمع، وحمايتها من التفكك لا تتحقق إلا بسياسات اقتصادية واجتماعية متكاملة تضع استقرار المواطن في صلب أولوياتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1237