مشروع الطاقة الأمريكي في سورية... غياب الشفافية ومخاوف حول الثروة الوطنية

مشروع الطاقة الأمريكي في سورية... غياب الشفافية ومخاوف حول الثروة الوطنية

في خطوة لافتة ومثيرة للجدل، أعلنت شركات أمريكية كبرى مثل Argent LNG، وBaker Hughes، وHunt Energy عن خطة رئيسية لإعادة بناء قطاع النفط والغاز والطاقة في سورية، بعد رفع العقوبات الأمريكية جزئياً على سورية في حزيران 2025.

المشروع، الذي تم تقديمه لمسؤولين سوريين كبار مثل الرئيس المؤقت أحمد الشرع ووزير الطاقة محمد البشير، أثار تساؤلات حادة حول الشفافية، السيادة، والعوائد الوطنية.

فرغم ضخامة المشروع، الذي يُتوقع أن يكون بمليارات الدولارات، فإن وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية داخل سورية لم تتناول الموضوع بتفاصيله أو أبعاده السيادية والاستثمارية، مما يفتح الباب أمام تساؤلات وطنية مشروعة.

تفاصيل المشروع... خطة خمسية أمريكية لاحتواء قطاع الطاقة

وفق ما نشرته قناة CNBC بتاريخ 27 أيار 2025، ووكالة رويترز بتاريخ 18 تموز 2025 فإن الخطة تشمل:

  • إعادة تأهيل حقول النفط والغاز في مناطق غرب نهر الفرات.
  • إصلاح مصفاتي حمص وبانياس.
  • بناء محطات توليد كهرباء بالغاز بدورات مركبة.
  • تأسيس شركة دولية باسم SyriUS Energy بالشراكة بين الحكومة السورية وكيانات أمريكية، على أن تمتلك سورية 30% فقط من ملكيتها.
  • تصدير الغاز والنفط عبر أنابيب إقليمية وخطوط كهرباء دولية.

المراحل الخمسة المبرمجة

تبدأ الخطة المكونة من خمس مراحل بتأمين حقول النفط الرئيسية، بما في ذلك حقول العمر والتيم والتنك وحقول الحسكة، تليها تقييمات فنية لخطوط الأنابيب والمصافي والبنية التحتية للطاقة. كما سيتم تحديد احتياجات إمدادات الوقود الطارئة وتحديد أولوياتها.

في المرحلة الثانية، سينتقل التركيز إلى إعادة تأهيل مصفاتي حمص وبانياس وترميم خطوط الأنابيب الرئيسية، بما في ذلك خط الغاز العربي. كما تسعى الخطة إلى توسيع نطاق الوصول إلى الغاز الطبيعي للاستخدامات السكنية والصناعية.

تقترح المرحلة الثالثة إنشاء شركة قابضة مدرجة في البورصة الأمريكية لإدارة أصول الطاقة وجذب الاستثمارات الخاصة. كما تشمل تأسيس شركة نفط وطنية جديدة باسم «SyriUS Energy»، تضم خبرات فنية أجنبية تتماشى مع المصالح السورية. وتحدد الخطة عقود الخدمات وتقاسم الإنتاج مع الدول الحليفة، وتشمل شركات طاقة عملاقة مثل إكسون موبيل وشيفرون وكونوكو فيليبس وشل.

في المرحلة الرابعة، سيتم وضع آليات للحوكمة والشفافية. وستشرف شركة مدرجة في البورصة الأمريكية، مملوكة جزئياً لصندوق الطاقة السيادي السوري، على توزيع الإيرادات. ويهدف ذلك إلى طمأنة الجهات المعنية الأجنبية وضمان إدارة شفافة لإيرادات النفط والغاز.

تركز المرحلة الأخيرة على الاستعداد لصادرات الطاقة والتكامل الإقليمي. تُحدد الخطة الصادرات القانونية والمرحلية عبر الدول المجاورة أو الموانئ الساحلية المُعاد ترميمها، وروابط البنية التحتية مع الدول المجاورة- مثل شبكات الكهرباء المشتركة وأنظمة الأنابيب- كأداة للدبلوماسية الاقتصادية.

ووفقاً للخطة، بحسب المصادر أعلاه، ستُعطى الأولوية للاحتياجات المحلية من الطاقة، تليها الصادرات الإقليمية، وأخيراً المبيعات الدولية. وتركز الاستراتيجية على إعادة استثمار أرباح الطاقة في خدمات «تعود بالنفع المباشر على الشعب السوري».

نسبة مشاركة ضئيلة ومجهولة التفاصيل... أين العوائد السورية؟!

أحد أخطر جوانب المشروع هو الضبابية في القيمة الاستثمارية المباشرة لسورية، حيث تشير الوثائق الأولية إلى أن:

  • شركة SyriUS Energy ستدير التنفيذ والتمويل، وستضم شركات أمريكية مساهمة، مقابل حصة سورية لا تتجاوز 30%.
  • لم تُحدَّد نسبة العوائد أو الأرباح العائدة للدولة السورية من عمليات التكرير أو تصدير الغاز.
  • لم يتم الإعلان عن آلية مراجعة العقود أو المحاسبة أو الرقابة السيادية على العمليات المالية والفنية.
  • غياب كامل للإعلام المحلي... لماذا لم يُعرض على الشعب؟
  • رغم ضخامة المشروع وحساسيته، إلا أن وسائل الإعلام الرسمية مثل وكالة «سانا» وصحف حكومية مثل «الثورة»، وكذلك وسائل إعلام شبه مستقلة، لم تذكر شيئاً عن تفاصيل الشراكات، أو نسبة الحصص، أو الجهات الأمريكية الفاعلة.
  • في المقابل، نُشرت معظم التفاصيل من خلال المصادر الأجنبية المذكورة أعلاه.

إن غياب الشفافية، الرسمية والإعلامية، في مشروع يُعد من الأكبر في تاريخ سورية الحديث، يثير قلقاً عاماً حول تجاوز المؤسسات وتهميش الرأي العام.

مشروعية التساؤل... مَن المستفيد؟ وأين المصلحة الوطنية؟

إن وجود شركات أمريكية في صلب عملية إعادة تشغيل قطاع يُعد من أهم أعمدة السيادة الوطنية، يثير عدداً من التساؤلات الجوهرية:

  • هل هناك رقابة سورية حقيقية على استخراج النفط والغاز؟
  • هل تقبل سورية بعقود امتياز طويلة الأمد تحرمها من عوائدها الطبيعية؟
  • هل طُرحت هذه العقود للنقاش الوطني؟ وهل تم تقييم البدائل؟

وتبدو هذه الأسئلة، وغيرها، أكثر جوهرية في ظل غياب السلطة التشريعية والمؤسسات الرقابية عن هذا المشروع.

السيادة أولاً...
دعوة لفتح نقاش وطني شفاف

إن غياب المعلومة، وعدم مناقشة المشروع أمام الجمهور، يدفع إلى التساؤل عن قدرة الدولة على حماية الثروة الوطنية والتفاوض بندّية مع الأطراف الخارجية.
وعليه، فإن المشروع يتطلب:

  • نشر تفاصيل العقود الموقّعة كافة أو التي في قيد التفاوض.
  • إشراك خبراء قانونيين وطنيين في مراجعة الصيغة النهائية للاتفاقيات.
  • تحديد نسبة العوائد المالية الصافية لسورية خلال السنوات الخمس القادمة.
  • ضمان آليات شفافة للمحاسبة والرقابة البرلمانية والقضائية.

ترقبوا حملة «سورية أولاً» التسويقية للشركات الأمريكية!

بحسب ما نُشر عبر CNBC يتضمن المشروع حملة وطنية تحت شعار «سورية أولاً»، تهدف إلى إعادة وضع البلاد على خريطة الطاقة العالمية. تُعطي الحملة الأولوية للملكية الوطنية، والثقة العامة، والتنمية الشاملة، مع التركيز على حشد المهندسين والعمال السوريين لتحسين مستويات المعيشة. سيتم تشجيع التعاون الدولي وفق نموذج يضمن عوائد مستدامة وطويلة الأجل.

الثروات حق سيادي للسوريين

قد تكون الشراكة مع شركات دولية خطوة نحو إنعاش قطاع الطاقة، لكنها لا يمكن أن تُبرم في الظل وبعيداً عن الشعب صاحب الثروة والسلطة كما يفترض.

فالثروات الطبيعية ليست حكراً على حكومات مؤقتة أو تحالفات سياسية، بل هي حق سيادي لكل السوريين لا تغطيه عبارات تعاقدية أو إعلامية فضفاضة مثل «النفع المباشر للشعب السوري»، ولا تموهه الحملات الدعائية والترويجية للشركات الأمريكية باسم «سورية أولاً»!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1235