محصول القمح... معاناة مستمرة للفلاح و«شام كاش» الرابح الأكبر!
رهف ونوس رهف ونوس

محصول القمح... معاناة مستمرة للفلاح و«شام كاش» الرابح الأكبر!

أخذ الفلاح نفَساً عميقاً وارتاح قليلاً ظناً منه أن المشهد سيتغير هذا العام بتحديد تسعيرة شراء محصول القمح، التي وصفها بالمرضية والمجزية نوعاً ما لهذا الموسم، لكن يبدو أن المشهد لم يتغير إنما اختلفت زاوية اللقطة داخله هذه المرة فقط، من التسعيرة إلى توقف استلام المحصول المتبقي والتضحية به، وترك الفلاح فريسة سهلة لتجار القطاع الخاص لتسويق باقي المحصول.

فتراجع إنتاج القمح- أهم المحاصيل الاستراتيجية في سورية- ما زال مستمراً هذا العام لأسباب مركبة طبيعية واقتصادية وبشرية، تضع السوريين في مواجهة خطر جديد يهدد استقرارهم الغذائي ولقمة عيشهم في ظل ازدياد التحديات المعيشية والاقتصادية الراهنة.

توقف الاستلام... فماذا عن الفلاح ومحصوله المتبقي؟!

أعلن المدير العام للمؤسسة السورية للحبوب المهندس «حسين العثمان» يوم الأربعاء الموافق لـ 9 تموز، انتهاء فترة استلام القمح بالإضافة إلى فترة التمديد بناء على طلب الفلاحين لهذا الموسم والتي حددتها المؤسسة سابقاً، مشيراً أن المدة المحددة كافية لتوريد كل ما تم حصاده، وذلك وفق تصريح له على موقع شبكة شام الإخبارية.

وعلى الرغم من مطالبات الفلاحين بتمديد الفترة مرة أخرى ليتمكنوا من تسويق كامل المحصول، لكن المؤسسة أكدت أن تقليل فترة الاستلام يعود لأسباب موضوعية، على حد تعبيرها، حرصاً منها على استلام القمح المحلي فقط، حيث يلجأ الكثير من السماسرة وبعض التجار إلى خلط القمح المحلي بالمهرب أو المستورد وتسليمه لمراكز المؤسسة، لكن على ما يبدو فإن المؤسسة ليس لديها مشكلة بأن يكون الفلاح «المعتر» ضحيه هؤلاء السماسرة والتجار، وأن يكون عُرضة للاستغلال والضغط عليه لبيع المتبقي من محصوله بسعر أرخص لعدم وجود البديل الحكومي «المدعوم»، والمفترض أن يكون الفلاح وكامل محصوله من أولوياته!

كما أشار «العثمان» أن إجمالي الكميات المستلمة وصلت إلى 352 ألف طن، وفقاً لما ذكرته شبكة شام الإخبارية، علماً أن التقدير المتوقع لإجمالي المحصول الذي صرح به «العثمان» في 14 من أيار الفائت «لوكالة سانا للأنباء» كان أكثر من 750 ألف طن.

والسؤال هنا: لماذا لم تستلم المؤسسة كامل المحصول، أو بالحد الأدنى الكمية المتوقعة لهذا الموسم، رغم الاحتياج الكبير لكل حبة قمح؟

خاصة أن احتياج سورية السنوي من القمح يصل إلى نحو 2,5 مليون طن، فاستلام كامل المحصول يساهم في سد ولو جزء بسيط من حاجات الاستهلاك، ويشجع الفلاح على زيادة مساحاته المزروعة العام القادم، وما يترتب عليه من دعم للإنتاج المحلي والاقتصاد الوطني، لكن الواضح أن الإنتاج وربح الفلاح أو خسارته غير مهم وخارج الخطط والسياسات الحكومية.

ما يترتب على هذا الإجراء من نتائج سلبية...

يمكن تلخيص النتائج السلبية بالنقاط الآتية:

  • تخلي الفلاح عن زراعة محصول القمح عاماً بعد عام مع ازدياد الأعباء (تكاليف زراعة وإنتاج) وتحمل خسارات جديدة بعدم تسويق كامل محصوله، وبالتالي التوجه إلى محاصيل أكثر ربحية وأقل تكلفة، لأن الزراعة هي مصدر رزق له وليست رفاهية، والعامل الاقتصادي مهم جداً.
  • تراجع الإنتاج وبالتالي الدخول في نفق العجز، مما يشكل أزمة كارثية تهدد الأمن الغذائي للسوريين.
  • الاعتماد المتزايد على الاستيراد لتأمين مادة الخبز «قوت المواطن الأساسي» في ظل الاقتصاد المنهك والمتدهور،
  • وما يترتب عليه مستقبلاً من ارتفاع السعر أو تحريره، مما يؤثر بشكل مباشر على معيشة المواطنين وخاصة الفئات الأكثر فقراً.
  • تكبيد الخزينة العامة مزيداً من القطع الأجنبي لتغطية عمليات الاستيراد، في ظل شح الموارد وشح القطع.

المستحقات المالية عبر تطبيق «شام كاش» الرابح الأكبر

دعت المؤسسة السورية للحبوب الفلاحين الذين سلموا المحصول لمراكز المؤسسة إلى فتح حسابات عبر تطبيق «شام كاش» لتحويل المستحقات المالية عبره، على أربع دفعات، حيث سيتم تسليمها بالدولار الأمريكي أو ما يعادله بالليرة.

كما لفت «العثمان» في التصريح نفسه لشبكة «شام الإخبارية»، أن إجمالي القيم المالية وصل إلى حدود 150 مليون دولار «ما يعادل 1,7 تريليون ليرة سورية»، أي إن المبلغ أكبر بقليل من المبلغ التقديري الذي صرحت به المؤسسة عبر «وكالة الأنباء سانا» بتاريخ 15 أيار الفائت، لشراء محصول القمح لهذا العام والبالغ 1,2 تريليون ليرة سورية في حينه، والذي اقترضته المؤسسة من المصرف الزراعي التعاوني.

وعليه سيتم تحويل المبلغ كاملاً وعلى دفعات لحساب تطبيق شام كاش، ولكم تخيُّل هامش العمولة الكبير الذي يشكل ربحاً صافياً ومضموناً وسريعاً لصالح أصحاب هذه الشركة «التطبيق»!

فلنفترض مثلاً أن العمولة 5 بالألف، مثل العمولة المقتطعة على رواتب موظفي القطاع العام، فإن إجمالي العمولات المقتطعة، لقاء تحويل مبلغ 1,7 تريليون ليرة وتسليمه للفلاحين، ستشكل مبلغاً وقدره 8,5 مليار ليرة سورية فقط لا غير، سيصب في جيوب أصحاب تطبيق «شام كاش» كأرباح كبيرة وسريعة وسهلة وصافية وبلا جهد، خلال مدة شهر إلى شهرين على أبعد تقدير!

المطلوب تحولٌ جذري في السياسات وتعاونٌ مع الفلاح

محصول القمح ليس محصولاً عادياً، وغيابه لا يعني غياب الخبز فقط، بل انهيار منظومة الإنتاج، التي تمثل فيها الزراعة داعماً أساسياً ومصدر رزق لكثير من العائلات وغذاء لملايين المواطنين.

فالاستمرار بهذا النهج سيؤدي إلى توسع أكبر بالاستيراد، والواضح أن هذا ما تعول عليه الحكومة الحالية، تماماً كما سابقاتها في ظل السلطة الساقطة، غير المعنية بالمواطن ومصلحته كالمعتاد!

ولضمان جدوى زراعة القمح والحفاظ على الأمن الغذائي، المطلوب من أجله تحولٌ جذريٌّ في السياسات الزراعية، وتعاون فعال بين الدولة والفلاحين بعيداً عن سياسة الإقصاء والخسارة القسرية السنوية، وبالعامية «التطفيش»، بما يخدم مصلحة الفلاح بالدرجة الأولى لتشجعيه فعلاً، ودعماً للقطاع الزراعي والاقتصاد الوطني. وهذا كله يساهم في تحقيق وضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1235