قرض الـ 4 ملايين من المصرف التجاري.. «هديّة العمر» المشروطة ومرتفعة الفائدة!
في خبر يكاد يُنافس النكتة، أعلن المصرف التجاري السوري، مطلع شهر تموز الحالي، بكل فخر عن إطلاق قرض شخصي «عظيم» بقيمة تصل إلى ٤ ملايين ليرة سورية! نعم، أربعة ملايين كاملة، وكأننا في زمن الليرة الذهبية، وليس زمن «الطبخة» بـ 100 ألف.
لكن لحظة، لا تفرح كثيراً… القرض هذا أشبه بمنحة مشروطة من باب الضحك على الوجع.
لنُلقي نظرة على التفاصيل التي تُبكي أكثر مما تُبشّر.
من يحق له الحلم بهذا القرض؟
قبل أن تبدأ أن تحلم بكيفية إنفاق الأربعة ملايين، عليك أولاً أن تنتمي إلى كائنات محددة نادرة:
موظف حكومي مثبّت على الملاك، ومضى على تكبيله… عفواً، خدمته سنة كاملة، وراتبه مُوطَّن في المصرف التجاري السوري.
أو موظف بعقد سنوي متجدد منذ ثلاث سنوات متتالية (يعني مش من المفصولين مؤخراً!).
أو متقاعد ما زال يتلقى راتبه– أو ما تبقى منه– عبر المصرف.
لكن لا يكفي أن تكون من هؤلاء. عليك أيضاً أن تجرّ كفيلاً مثبتاً يعمل في الدولة، وراتبه موطَّن في المصرف، ومضت على خدمته سنة كاملة على الأقل. وإذا ما كان الكفيل راتبه بالكاد يكفيه، فعليك بجلب كفيلين!
الفائدة.. المقصّ في جيبك
في حال القرض لمدة سنة (12% فائدة على الرصيد المتناقص):
المبلغ: ٤ ملايين ليرة.
الفائدة: تقطيع ناعم على مدار السنة.
القسط الشهري: حوالي 355 ألف ليرة.
المبلغ الفعلي الذي يصل إلى يدك: 3,73 مليون ليرة فقط.
الفائدة التي «تتبخّر» من القرض: 270 ألف ليرة تقريباً.
أما إذا فكرت تمدّها سنتين (14% فائدة):
القسط الشهري: 191 ألف ليرة تقريباً.
المبلغ الحقيقي بجيبك بعد الفائدة: 3,42 مليون ليرة.
الفائدة الكاملة: 580 ألف ليرة.
وربما تخرج بعدها بحاجة لقرض جديد لسداد القرض الأول.
وبعدين؟ شو بتعمل بـ4 ملايين اليوم؟
في السوق السورية اليوم، 4 ملايين ليرة قد تعني:
5 علب حليب أطفال + 3 جرات غاز + كروز دخان لصاحب القرار.
أو شهرين آجار بيت متواضع في ضواحي دمشق.
أو صيانة سخان + تنكة مازوت + كيس رز (صغير).
أو حبة سكر لـ «الحياة الحلوة» التي وعدنا بها الإعلان!
وبأحسن الأحوال قد يغطي غذائيات أسرة لمدة شهر واحد فقط مع التقشف.
يعني القرض هذا أشبه بإسعاف مصاب بنزيف داخلي بكرتونة بانادول.
المصيبة.. القسط الشهري يبلع نصف الراتب
في بلد متوسط راتب الموظف فيه لا يتجاوز 700 - 800 ألف ليرة سورية، فإن دفع 355 ألف ليرة شهرياً لمدة عام، أو 191 ألف ليرة لمدة سنتين، يعني ببساطة أن الموظف سيكون في سباق دائم بين أقساط القرض وثمن ربطة الخبز.
ستضطر لتأجيل حاجات أسرتك الأساسية: طعام، دواء، لباس... مقابل سداد قرض بالكاد يكفي لإصلاح باب الحمّام.
الخلاصة: القرض ليس دعماً... بل فكاهة محزنة
إن كان المقصود من هذا «القرض» هو التخفيف عن المواطن، فإن النتيجة ستكون معاكسة تماماً: شروط تعجيزية، فائدة عالية، ومبلغ لا يسدّ رمق أسرة لأسبوعين.
ما حصلنا عليه فعلياً ليس «تيسيراً»، بل جرعة بيروقراطية ثقيلة الظل، تُضاف إلى يوميات السوريين المليئة بالانتظار والتقنين والفقر المقنّع.
هل هذا قرض؟ أم اختبار صبر؟ أم عرض خاص لمن يريد أن يسدد من دمه لا من راتبه؟
من يدري... ربما القرض القادم سيكون «بضمانة التبرع بكليتك.. مع شرط تعجيزي بسلامتك من الأمراض»!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1235