مطبّات وحفر وتصدّعات تأكل الشوارع وتحصد الأرواح
تعاني البنية التحتية والشوارع في سورية، ولا سيما الطرقات الرئيسية، من انتشار الحفر والمطبات، وغياب الصيانة الدورية، نتيجة عوامل متعددة ومزمنة، منها: الإهمال والفساد في إدارة موارد الدولة وتنفيذ المشاريع، أو ما تضرر منها من جراء الحرب.
وبذلك تحولت الشوارع من مساحات تربط المدن والقرى، وتسهل حركة الأفراد والبضائع، إلى مصائد محفوفة بالمخاطر تهدد حياة المواطنين.
تدهور البنى التحتية
يتجلى تدهور البنى التحتية للطرق في الانتشار الكبير للحفر، بمساحاتها المختلفة وبدرجات عمقها، والمطبات غير المصممة وفقاً للمعايير الهندسية الفنية، والحفريات التي تُترك بدون إعادة تأهيل، سواء في الشوارع الرئيسية أو الطرق السريعة، ما يجعل سائقي المركبات والدراجات في خطر دائم.
وقد أصبحت هذه المظاهر أمراً مألوفاً لدى السائقين في مختلف المدن السورية، وهي لا تعيق حركة المرور فقط، بل تلحق أضراراً بالمركبات، وتزيد من اهتلاكها، وبالتالي الصرف على صيانتها، وكذلك زيادة باستهلاك الوقود، وإطالة أوقات القيادة، والأهم من ذلك كله: أنها باتت سبباً مباشراً للحوادث المتكررة، خاصة أثناء القيادة ليلاً في ظل انعدام الإضاءة في غالبية الشوارع والطرقات، الرئيسية والفرعية.
غياب الصيانة يرفع التكلفة
ليس غريباً أن تتعرض الطرق مع مرور الزمن والاستخدام المتواصل إلى التهالك بفعل العوامل الجوية وأحمال المركبات. لكن الغريب هو غياب برامج صيانة وقائية وتجديد دوري، الذي من شأنه منع تفاقم المشكلات الصغيرة وتحولها إلى عيوب كبيرة.
فالإصلاح بعد التهتك والاهتلاك شبه الكلي، بدلاً من انتهاج الصيانة الدورية، ليس فقط أكثر كلفة من الناحية المادية على المدى الطويل، بل الكلفة الأعلى بالأرواح التي تُزهق نتيجة الإهمال، والممتلكات التي تُبدد.
انفجار في عدد السيارات
أدت السياسة التي انتهجتها الحكومة، والمتمثلة في فتح استيراد السيارات بدون وضع خطط لتطوير البنية التحتية وتوسيع وتحسين الطرق بحيث تستوعب هذا العدد الهائل، إلى طفرة غير مسبوقة في أعداد المركبات والسيارات. وهي زيادة تفوق بكثير قدرة شبكات الطرق الحالية على التحمل، خاصة بوضعها الحالي المتهتك.
فإلى جانب تآكل واهتلاك الطرق بسرعة أكبر جراء هذا العدد، وما تولّده من ازدحام خانق، وضغط متزايد على بنية هذه الطرق، فهي تساهم بشكل مباشر في ارتفاع عدد الحوادث المرورية. يضاف إلى ذلك أن أغلب الشوارع في سورية تفتقر إلى علامات طريق واضحة ومسارات مخططة وبارزة، مما يُربك السائقين ويشكل تهديداً مباشراً لحياتهم.
استيراد وأرباح على حساب السلامة
منذ بداية العام 2025 شهدت البلاد أكثر من 700 حادث مروري كبير موثق، أدى إلى مقتل 46 شخصاً وإصابة المئات، من بينهم 135 طفلاً، حسب ما وثقته فرق الدفاع المدني.
وقد خدمت سياسة فتح الاستيراد مصالح فئة ضيقة، من مستوردين وشركات ووكلاء، وتعاظمت الأرباح من فروقات الأسعار والرسوم الجمركية. وفي هذا السعي المحموم نحو الربح، تم التغاضي عن الكثير من معايير السلامة بالسيارات المستوردة، لصالح تعظيم مكاسب مادية على حساب اعتبارات أوسع تتعلق بالمصلحة والسلامة العامة.
فسياسة فتح استيراد السيارات بلا رقابة وتنظيم، بالإضافة إلى أنها تستنزف العملات الأجنبية، فهي تزيد من الازدحام المروي، وتفاقم من المشاكل البيئية، وتهمل بالضرورة تطوير الصناعات المحلية، بالإضافة لما سبق حول زيادة تهالك البنى التحتية للطرقات.
ولعل قرار ترشيد استيراد السيارات الصادر مؤخراً ليس كافياً بهذا الصدد، فتخصيص جزء من الموارد الناجمة عن استيراد السيارات وترسيمها (ضرائب- جمارك- رسوم) قد يشكل رافداً مستداماً كمورد إضافي لتمويل الإنفاق الضروري لصيانة وتعبيد الطرق دورياً.
فتطبيق سياسات متكاملة من شأنها تعزيز السلامة المرورية على الطرقات، لم يعد «رفاهية» بل حق أساسي من حقوق المواطنين، الذين يفقدون حيواتهم يومياً على طرق الموت الحالية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1235