جامعة حمص... استمرار النقص في أعضاء الهيئة التدريسية حتى إشعار آخر
سارة جمال سارة جمال

جامعة حمص... استمرار النقص في أعضاء الهيئة التدريسية حتى إشعار آخر

أصدرت رئاسة جامعة حمص، بتاريخ 6 تموز 2025، قراراً بإلغاء الإعلان 120/27 المتضمن حاجة جامعة حمص لتعيين عدد من حملة شهادات الدكتوراه أو المؤهل العلمي المطلوب للتعيين في عضوية هيئة التدريس، والصادر في 30 نيسان 2024.

إلغاء الإعلان تم مع ما ترتب عليه من شطب لطلبات المتقدمين كافة، وإلغاء لكل الإجراءات التي تمّ اتخاذها في سبيل سدّ هذا النقص، وذلك من دون ذكر أسباب الإلغاء أو البدائل.

التناقض بين الإلغاء والحاجة الملّحة

ليست جامعة حمص وحيدة في معاناتها من النقص الحاد في كوادر الهيئة التدريسية، فشأنها في ذلك شأن جميع المؤسسات الأكاديمية في البلاد، بما في ذلك الجامعات العامة والخاصة، ومن هنا تبرز التساؤلات حول قرار الإلغاء في وقت تزداد فيه الحاجة الماسة لملء هذه الشواغر.

فعندما تقل نسبة الأساتذة إلى الطلاب، تتأثر جودة التعليم وتصبح فرص البحث العلمي والابتكار محدودة، وهو ما ينعكس سلباً على التعليم ومستقبل الطلاب، ويدفع نحو المزيد من الهجرة الأكاديمية، ما يُفقد البلاد كوادرها المؤهلة ويصعّب مسألة تعويضهم في ظل الظروف الراهنة.

وبناءً على ذلك، كان من المتوقع أن تُبادر الجامعات ووزارة التعليم العالي إلى اتخاذ خطوات عاجلة تكون فيها مسابقات التعيين أولوية قصوى، فإذا كانت الحاجة الأكاديمية هي المعيار الأساسي، فإن المنطق يفرض تسريع وتيرة المسابقات والتعيينات لا إلغاءها.

إهدار الموارد

تمثّل عمليات التحضير للمسابقات، من تشكيل لجان وإعداد إعلانات وتخصيص ميزانيات، إهداراً للموارد المادية والبشرية، عند صدور قرار بإلغائها، ما يعني تحميل أعباء إضافية للدولة بلا مبرر.

كما سينعكس- انعدام البديل وشطب أسماء المتقدمين بلا مراجعة، أو تحديد معايير واضحة للتقييم- سلباً على أزمة التعليم العالي بصورة عامة.

فعدم توفير فرص عمل مستقرة لحملة الشهادات العليا، والتأخر في اتخاذ القرارات، له تأثير سلبي على الاقتصاد الوطني، لكون التعليم العالي عاملاً أساسياً في عملية التنمية والابتكار.

ضياع الفرص وتداعيات الإلغاء

إن الفئة المتضررة بشكل مباشر من إلغاء مسابقة التعيين في جامعة حمص هي فئة المتقدمين.

فإلى جانب ضياع فرصة العمل، تكبد هؤلاء تكاليف مادية عديدة، تشمل رسوم تقديم الوثائق والتنقل من وإلى الجامعة لتقديم الثبوتيات ولإجراء الاختبارات، ناهيك عن الوقت والجهد المبذولين للتحضير.

هذه الخسائر– وإن كانت تبدو ثانوية للبعض– إلا أنها تشكل عبئاً مضافاً، خاصة لمن يمتلك منهم قدرات مادية محدودة.

أما على المدى الأبعد، فإن اتخاذ هكذا قرارات من دون أسباب واضحة وطرح بدائل سريعة ومتاحة، سيولّد شعوراً بالإحباط وانعدام الثقة لدى المتقدمين، السابقين واللاحقين، ويدفع البعض للتوجه نحو القطاع الخاص في أفضل الأحوال، أو البحث عن فرص عمل في الخارج ليستمر نزف الكوادر في أسوأها.

بينما يدفع ثمن هذا النقص المستمر والمزمن طلاب الدراسات العليا، الذين يزداد اعتماد النظام التعليمي عليهم كقوى تدريسية مساعدة، حيث توكل إليهم مهام تدريسية كبيرة وتُفرض عليهم ساعات مراقبة، من دون الحصول على تعويضات عادلة، وذلك على حساب دراستهم وبحوثهم.

أما من يدفع الضريبة المستمرة لنقص أعداد أعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات فهم عموم الطلاب في المرحلة الجامعية الأولى في كل الجامعات والكليات.

علاج بالصدمة

يبدو أن قرار إلغاء طلبات المتقدمين ومسابقات التقدم لا تنفصل عن الحلول الشمولية التي اتبعتها الحكومة الحالية في كل مفاصل الدولة، من فصل تعسفي أو إلغاء لقرارات سابقة، وقد تمت في أغلبها بدعوى وجود فساد، ورغم صحة هذا الادعاء نسبياً، إلا أن هذا لا يعني أن العملية بحد ذاتها فاسدة، أو أن الحل هو في إلغائها جذرياً.

إن هذا الإجراء أشبه باستئصال العضو المصاب كله عوضاً عن استئصال الورم فقط. فالمسابقات، على الرغم من عيوبها المحتملة، تظل أداة شفافة وعادلة في الوضع الراهن لاختيار الكفاءات وتوظيفها، إن تمت في إطار قانوني ورقابي جيد، فيما سيؤدي إلغاؤها في هذا التوقيت إلى حرمان الجامعة من استقطاب الكفاءات والخبرات، وينعكس سلباً على الطلاب الذين يتأثرون بتراجع جودة التعليم الذي يتلقونه، ويحرمون من وجود أساتذة مختصين ومشرفين أكفاء، ما يحدّ من مساهمتهم في الإنتاج المعرفي، ويضعف من مهاراتهم المهنية، وقدرتهم على دخول سوق العمل فيما بعد بشكل فعّال.

إصلاحات بنيوية

يشير قرار إلغاء مسابقة التعيين في ظل الحاجة الملّحة لملء كوادر الهيئة التدريسية، خاصة مع بداية عام دراسي جديد، إلى وجوب مراجعة شاملة للسياسات المتعلقة ببنية وهيكلية التعليم العالي، وإعطاء الأولوية للجانب الأكاديمي وتغليبه على أي اعتبارات غير أكاديمية، وتوفير الدعم المالي للجامعة، وتبسيط الإجراءات الإدارية.

والمطلوب حالياً في هذا السياق، بالحد الأدنى، توفير نظام شكاوى فعّال كحلٍّ آني، يتيح للمتقدمين المتضررين تقديم شكواهم والتحقيق في جدارتهم بشكل شفاف وعادل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1234
آخر تعديل على الأحد, 13 تموز/يوليو 2025 21:40