الطموح والواقع... سوق دمشق للأوراق المالية إلى أين؟
في تصريح لافت على منصة «لينكدإن» بتاريخ 30 حزيران 2025، أعلن وزير المالية السوري محمد يسر برنية عن حزمة من الخطوات التطويرية لسوق دمشق للأوراق المالية، أبرزها:
زيادة عدد أيام التداول من 3 إلى 5 بدءاً من تموز.
التحضير لتحويل السوق إلى شركة مساهمة.
توسيع عرض الأوراق المالية عبر تشجيع الشركات العائلية والجامعات الخاصة على الإدراج.
إطلاق خطة لتحديث التشريعات والتقنيات.
الدعوة إلى انتخاب مجلس إدارة جديد في أيلول القادم.
ورغم أن هذه التوجهات تحمل طابعاً تحديثياً في ظاهرها، إلا أن تقييمها بواقعية يفرض علينا التوقف عند السياق السياسي والاقتصادي الراهن، والذي لا يزال يعاني من خلل بنيوي على مستويات عدة، منها: الأمنية، القانونية، التنظيمية، والمؤسسية.
إصلاح شكلي في بيئة مختلة
زيادة عدد أيام التداول، مثلها مثل تعديل الهيكل الإداري أو التكنولوجي، تمثل خطوات شكلية لا تمس جوهر الأزمة في السوق المالية السورية، وهي أزمة ثقة وهيمنة وتفاوت معلوماتي، لا أزمة في جدول التشغيل.
فالسوق، بحسب بعض الأخصائيين، لا يعاني من قصر فترة التداول، بل من:
ضعف الشفافية في الإفصاح المالي.
غياب رقابة مستقلة.
محدودية الشركات المدرجة.
تضارب المصالح بين الكيانات المهيمنة والجهات المنظمة.
بيئة طاردة للاستثمار لا مشجعة له
الشركات السورية، وخاصة العائلية منها، لا تتهرب من الإدراج بسبب ضيق الوقت أو قصور في التكنولوجيا، بل بسبب:
الخوف من الإفصاح المالي في بيئة ضريبية قاسية وغير عادلة.
عدم الثقة باستقرار القوانين أو حيادية القضاء التجاري.
غياب الحوافز الواقعية للدخول في سوق تُهيمن عليه مجموعة محددة من المتنفذين.
مساهمون صغار... يدفعون الثمن
في سوق يفتقر إلى العدالة، يتحول المستثمر الصغير إلى وقود في لعبة المضاربة التي يديرها الكبار، حيث:
تُضخم أسعار بعض الأسهم بشكل مصطنع عبر مضاربات داخلية.
تُتخذ قرارات مصيرية دون حضور حقيقي للمساهمين الصغار.
تُحقق الأرباح عبر استغلال غياب المعلومة أو بطء نشرها، ما يترك الصغار في ذيل السوق.
وبالتالي، فإن أي توسعة في السوق، أو في عدد أيام التداول، قد تصب في مصلحة المضاربين الكبار لا في مصلحة الاقتصاد أو المواطن.
السوق لا يزال بعيداً عن دوره كأداة تمويل حقيقية
في النظم الاقتصادية السليمة، تقوم الأسواق المالية بدور تمويلي مركزي يركز على الآتي:
تحويل المدخرات إلى استثمارات إنتاجية.
تمويل الشركات عبر الاكتتابات العامة.
توزيع الثروة وتحقيق العدالة في الوصول إلى الفرص.
لكن في سورية، ما زال السوق أقرب بمهامه ودوره إلى:
أداة لتبادل النفوذ المالي بين الكبار.
منصة لجني الأرباح من التلاعب لا من القيمة المضافة.
واجهة شكلية توحي بالإصلاح دون أن تعكسه واقعاً.
أداة لتنشيط الاقتصاد أم منصة لتمويل الأرباح
تصريحات وزير المالية تأتي في وقت لا تزال فيه البيئة الاقتصادية السورية غير ناضجة لتبني أدوات سوق مالي حديث.
ورغم أهمية تطوير البنية التشريعية والتقنية، إلا أن تجاهل الركائز السياسية والأمنية والقانونية سيجعل من هذه الإجراءات مجرد طلاء تجميلي لنظام مالي غير متوازن.
أما المساهم الصغير، فهو الأكثر تضرراً في هذه المرحلة، إذ يدفع ثمن إصلاحات تُدار من فوقه، ويُستبعد من قرارات تمس أمواله بشكل مباشر.
لذلك، إن لم تُقرَن هذه التغييرات بـ: إصلاح ضريبي عادل- استقلال في الرقابة- توازن في التمثيل بين كبار وصغار المساهمين- وشفافية صارمة في الإفصاح، فلن يكون سوق دمشق للأوراق المالية أداة لتنشيط الاقتصاد السوري، بل منصة مغلقة لتمويل الأرباح السريعة للمتربّحين الكبار.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1233