القطاع الخاص يستعد للسيطرة على مياه السوريين... هل بدأ عصر «الربح من العطش»؟!
أعلنت وزارة الاقتصاد والصناعة مؤخراً عن قرار يقضي بالسماح بإنشاء معامل فلترة وتعبئة المياه في جميع أنحاء البلاد، سواء كان مصدر المياه جوفياً كالآبار والينابيع أو سطحياً كالأنهار والبحيرات.
القرار، الذي جاء تحت عنوان «المصلحة العامة» «وسياسة السوق الحر»، ينهي عملياً احتكار منشآت القطاع العام لهذا النشاط، ويفتح الباب على مصراعيه أمام القطاع الخاص للاستثمار في قطاع المياه.
اللافت أن هذا القرار يأتي في وقت تعاني فيه البلاد من موجات جفاف حادة ونقص متزايد في موارد المياه، الأمر الذي حوّل مياه الشرب من حاجة أساسية إلى سلعة قابلة للاستغلال.
استثمار مربح ومستقطب
بحسب «سانا»، وعلى ضوء صدور القرار، كشف مدير المواصفات والجودة في الإدارة العامة للصناعة، بوزارة الاقتصاد والصناعة، المهندس محمد عبدو الليكو، أن الوزارة تلقت ما يقارب 115 طلباً لترخيص إنشاء معامل فلترة وتعبئة المياه المعدنية، منوعة بين طلبات لمستثمرين محليين وخارجيين.
وتأتي أهمية القرار بحسب الليكو، لكونه يسهم في تعزيز الاستثمار في سورية، وتحسين واقع المياه المعبأة فيها من خلال منتجات عالية الجودة، وتشغيل أيد عاملة جديدة، وتوفير بدائل آمنة وصحية للمواطنين، وبأسعار منافسة، تراعي قدرة المواطن الشرائية، وتنسجم مع رؤية الحكومة السورية نحو تحرير الاقتصاد.
وحول الواقع الحالي للمعامل التي تعمل في هذا الجانب، بين الليكو وجود 10 معامل منها أربعة للقطاع العام اثنان منها في ريف دمشق والآخران في طرطوس، في حين يبلغ عدد معامل القطاع الخاص أربعة معامل آلية في محافظة إدلب، ومعملان في ريف حلب والرقة.
أما اللافت فهو صدور القرار قبل اعتماد الاشتراطات والضوابط من قبل الوزارة، فبحسب الليكو، أن العمل جار على وضعها من فريق مختص في الوزارة، كأن تكون المعامل آلية، وماهي الآلات المستخدمة ونوعها، وحداثة خطوط الإنتاج، وتطبيق ممارسات التصنيع الجيد، وأن تحتوي نوعين من المخابر، تحليل كيميائي، وجودة، وأن يكون التخزين وفق المعايير الدولية لضمان سلامة واستدامة الإنتاج.
هل القطاع العام عاجز فعلاً؟
لطالما تم الترويج لعجز منشآت القطاع العام عن تلبية احتياجات السوق كمبرر لفتح الأبواب أمام الاستثمارات الخاصة. غير أن متابعين للشأن الاقتصادي يرون أن تعطيل هذه المنشآت جاء نتيجة سياسات متعمدة من سوء الإدارة ونقص التمويل، ما جعل من الخصخصة الخيار «الوحيد» المطروح.
فهل تم فعلاً دعم هذه الشركات قبل الحكم عليها بالعجز، أم إن توقيفها وتعطيلها، كلاً أو جزءاً، كان ممهِّداً لتمرير هذه المشاريع الخاصة تحت لافتة «التحرير الاقتصادي»؟
مخاطر استحواذ القطاع الخاص على مصادر المياه
خبراء في البيئة والاقتصاد حذروا من أن ترك مصادر المياه لهيمنة القطاع الخاص قد تترتب عليه تداعيات خطِرة على الأمن المائي الوطني، وعلى حقوق المواطنين في الحصول على المياه بأسعار عادلة.
وفيما يلي أبرز المخاطر المحتملة:
تحويل المياه إلى سلعة، فمع دخول المستثمرين الخواص إلى هذا المجال، ستصبح المياه سلعة تباع وتشترى لمن يملك القدرة على الدفع، بدلاً من كونها حقاً أساسياً من حقوق الإنسان.
انعدام العدالة في التوزيع، فمن المرجح أن تتركز الاستثمارات في مناطق محددة تحقق أرباحاً أكبر، في حين تُهمل مناطق أخرى، ما يؤدي إلى تفاوتات جغرافية ومجتمعية.
استنزاف غير مدروس للمياه، ففي ظل غياب رقابة صارمة، قد تسعى الشركات الخاصة إلى استغلال المصادر الجوفية والسطحية دون مراعاة للاستدامة البيئية أو التوازن المائي.
ضياع السيادة على مورد استراتيجي، فالخصخصة غير المنضبطة لهذا القطاع الحيوي تُضعف قدرة الدولة على التحكم بمصادر المياه، خاصة في أوقات الأزمات أو الكوارث.
البديل موجود... إصلاح لا خصخصة
الخبراء يؤكدون أن الطريق الصحيح لا يكمن في تسليم مصادر المياه للقطاع الخاص، بل في إصلاح منشآت القطاع العام، وتطوير بنيتها، وضمان إدارتها بكفاءة ونزاهة.
كما يشددون على ضرورة إصدار قوانين تضمن بقاء المياه ثروة وطنية تُدار بما يخدم الصالح العام، لا لضمان أرباح المستثمرين.
مخاطرة بأبسط مقومات الحياة
في بلد يعاني من تحديات مناخية، واقتصاد هش، وسكان يعانون أساساً من أعباء معيشية متفاقمة، يبدو أن فتح قطاع المياه للاستثمار الخاص دون ضوابط صارمة ليس خطوة نحو «اقتصاد السوق»، بل مخاطرة قد تكلّف السوريين حقهم في أبسط مقومات الحياة المتمثلة بالماء.
فهل تتحرك الجهات المعنية لضمان حماية هذا المورد السيادي؟
أم إن «شريك المي ما بيخسر»، حتى وإن خسر المواطن والمصلحة الوطنية؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1228