لا تبسيط على حساب الحقوق... وزارة الاقتصاد لا تملك صلاحية تجاوز القانون

لا تبسيط على حساب الحقوق... وزارة الاقتصاد لا تملك صلاحية تجاوز القانون

أثار كتاب صادر عن غرفة تجارة ريف دمشق، يحمل الرقم 96 بتاريخ 22 أيار 2025، موجة من الجدل والانتقادات في الأوساط التجارية والعمالية، بعد أن أشار إلى أن وزارة الاقتصاد والصناعة قد أصدرت قراراً بإلغاء شرط تقديم الوثيقة التي تُثبت تسجيل العمال في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، كأحد متطلبات الانتساب إلى غرف التجارة أو تجديد الاشتراك فيها.

هذا القرار، الذي جاء– حسب الكتاب– «في إطار تبسيط الإجراءات وتشجيع التجار على العودة إلى الانتساب»، اعتُبر من قبل كثيرين تجاوزاً خطِراً للقوانين النافذة، وتحديداً القانون رقم 8 لعام 2020 الناظم لعمل غرف التجارة وغرف التجارة والصناعة.

كما رأى فيه العاملون إضعافاً مباشراً لحقوقهم القانونية، وفتحاً لباب التلاعب والتهرّب من الالتزامات الاجتماعية.

توضيح... لا يغيّر جوهر المسألة

رداً على موجة الاعتراض، أصدرت وزارة الاقتصاد والصناعة بتاريخ 23 أيار 2025 توضيحاً مفاده أن الإجراء لا يعفي التجار من تسجيل العاملين لديهم لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية، بل يعلّق فقط طلب الوثيقة التنظيمية التي تُطلب عادة عند الانتساب أو تجديده، وذلك حتى نهاية العام الحالي، كخطوة مؤقتة لتشجيع الانخراط في غرف التجارة.

ورغم أن التوضيح جاء في محاولة لامتصاص الغضب، إلا أنه لم يغيّر من جوهر المشكلة.
فالإعفاء من تقديم الوثيقة المطلوبة قانوناً، ولو مؤقتاً، يُعد مخالفة صريحة لنص تشريعي واضح لا لبس فيه، ولا يملك أي جهاز إداري صلاحية تعطيله أو تجاوزه.

المادة القانونية واضحة وصريحة

تنص الفقرة (هـ) من المادة الخامسة من القانون رقم 8 لعام 2020 على ما يلي:

تُقدَّم الوثيقة التي تبين عدد العمال المسجلين في التأمينات الاجتماعية سنوياً عند الانتساب إلى الغرفة، وذلك حسب تصنيف أصحاب العلاقة كما يلي: الدرجة الممتازة 6 عمال على الأقل، الدرجة الأولى 4 عمال، الدرجة الثانية عاملان، الدرجة الثالثة والرابعة عامل واحد على الأقل لكل منهما.

وبالتالي، فإن أي إجراء يخالف هذا النص– سواء أكان بكتاب داخلي، أم بتوجيه شفهي، أم بذريعة تسهيل الإجراءات– يعد انتهاكاً صريحاً للقانون، ويشكل سابقة خطِرة في العمل الإداري، يمكن أن تُستغل لاحقاً لشرعنة التجاوزات تحت مسميات وذرائع مختلفة.

الوثيقة ليست إجراءً شكلياً... بل حقاً للعامل

من المهم التذكير بأن وثيقة التأمينات الاجتماعية ليست مجرد ورقة تنظيمية، بل هي دليل قانوني على التزام التاجر بتسجيل العاملين لديه وضمان حقوقهم في الرعاية الصحية والتقاعد والتعويضات.

إن إلغاء هذه الوثيقة أو التغاضي عنها يفتح الباب واسعاً أمام أصحاب العمل للتهرّب من تسجيل عمالهم، مما ينعكس سلباً على الأمان الاجتماعي ويفرّغ منظومة الحماية العمالية من مضمونها.

كما أن هذا القرار يكرّس حالة اللا عدالة، حيث يتم تحميل العمال تبعات قرار لا شأن لهم فيه، ويحرمهم من أبسط حقوقهم بحجة تشجيع التجار على «العودة إلى الغرف»، وكأن العودة إلى الالتزام القانوني باتت خياراً أو منّة، لا واجباً تفرضه الدولة على الجميع دون استثناء.

تبسيط الإجراءات لا يعني تجاوز القانون

لا أحد يُنكر أهمية تسهيل الإجراءات الإدارية، وضرورة تشجيع الانتساب إلى الغرف التجارية وتنظيم عمل التجار. إلا أن هذه الغايات لا يجب أن تتحقق على حساب الشرعية القانونية أو حقوق العاملين.

فالدولة التي تسعى إلى بناء بيئة اقتصادية جاذبة، لا تبدأ بالإعفاء من الالتزامات القانونية، بل بتحقيق العدالة والمساواة في تطبيق القانون على الجميع، وتقديم التسهيلات ضمن الإطار القانوني، لا خارجه.

وإذا كانت هناك حاجة لتعديل قانون أو تغيير آلية ما، فإن السبيل الصحيح لذلك هو عبر القنوات التشريعية المختصة، من خلال مجلس الشعب، وليس عبر كتب وتعميمات صادرة عن جهات تنفيذية لا تملك أصلاً صلاحية تعطيل القانون.

احترام القانون هو حجر الأساس لأي إصلاح اقتصادي

ما جرى يمثل نموذجاً لما لا ينبغي أن يحدث في مؤسسات الدولة.

فاحترام القانون هو أولى خطوات الإصلاح، ومخالفة النصوص القانونية، حتى بحسن نية، تفتح الباب أمام الفوضى وتفقد القرارات الحكومية مصداقيتها أمام الرأي العام.

لذا، فإن الواجب يحتم على وزارة الاقتصاد والصناعة التراجع الفوري عن هذا الإجراء، وإعادة التأكيد على التزامها بالقانون رقم 8 لعام 2020، وإصدار توضيح أكثر دقة يضمن عدم المساس بحقوق العاملين.

كما يُفترض من الجهات الرقابية المعنية أن تتدخل لضمان عدم تكرار مثل هذه التجاوزات، وأن تُصان حقوق العمال من أي مساس بها، مهما كانت الذرائع.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1228